فقال سليم: أبدا، هو موافق طبعا، وأنا مش هاعمل حاجة ضد إرادته، بس هو مسافر خارج مصر وأنا مارضيتش أستنى لما يرجع بعد ما حددت الميعاد مع عمي. - يعني سفره أهم ولا خطوبة ابنه؟
هنا قالت أمي: هو احنا كلنا مش كفاية ولا إيه؟ وبعدين سليم ابني راجل وشايل نفسه ومش محتاج حد يتكلم عنه، ولا هو مش مالي عينيكم؟ والله دي ظروفنا ودي حياتنا، وانتم عارفين كل التفاصيل عننا من البداية، ولو ظروفنا مش مناسبة ليكم يبقى فرصة سعيدة.
ونهضت أمي بعصبية وتوتر الجو، فقال أبو هدى بابتسامة: صلي على النبي يا حاجة، دا مجرد استفسار مش أكتر، وسليم يشرف أي عيلة يدخلها، وطبعا وجودكم كفاية وزيادة كمان، الفاتحة للنبي.
جلست أمي وقرأنا جميعا الفاتحة، وأخرجت أمي من حقيبتها شبكة هدى، فقد اختارت هي وسليم الدبل، بينما أهدتها أمي سلسلة وخاتما من الذهب وقالت لها: مبروك يا بنتي، من النهاردة إنتي بقيتي زي نهلة وسلوى، واللي يحبه سليم أشيله في عيني. - الله يبارك في حضرتك يا طنط، وميرسي على هديتك الجميلة.
هنأها الجميع ووزعت أمها الشربات على الجميع، وكانت لغة العيون بين سليم وهدى تقول الكثير، فأدركت أن قلبيهما اشتعلت بهما شرارة الحب، فسعدت من أجل سليم الذي غمرته الأحزان في سن صغير فكفر بالحب والمشاعر، وربما زاد من ذلك تحمله مسئوليتنا في سن صغيرة؛ فقد كان لنا الأب والأخ، لذا أراد الله أن يكافئه بفتاة رقيقة مثل هدى تحبه وتعوضه سنوات عجافا بلا حب حقيقي سوى قصة حب فاشلة مع ابنة عمي التي بمجرد علمها أنك لن تغمره بمالك وأنه لن يعمل معك تخلت عنه، فكانت صدمة قاسية على قلبه الذي أغلقه لسنوات حتى جاءت هدى بحيائها وحبها الظاهر في عيونها، فاستطاعت أن تقتحم حصونه، وما أجمله من اقتحام يا أبي!
بعد الخطبة كان سليم مشغولا في عمله في البنك طوال الأسبوع وفي شركتك يا أبي يومي الجمعة والسبت، فتوقعنا أن تتذمر هدى من غيابه، وقلنا له لو فعلت فإنها معذورة، فكل الفتيات يردن الاستمتاع بتلك الفترة في التنزه وسماع كلمات الحب، فقال إنه شرح لها ظروفه. فوجئنا جميعا أنها صارت تذهب معه للشركة يوم الجمعة وتعمل معه لينهي عمله سريعا حتى يتمكن من أخذ يوم السبت كراحة له، فكان يخصص لها مساء السبت كله.
هكذا الحب فعلا يا أبي ليس مجرد كلمات معسولة تأسر القلب فقط، إنما هو أفعال تثبت ذلك الحب.
عدت لعملي بعد يومي الإجازة بسبب استعدادنا لخطبة سليم، ففوجئت بترحيب عصام وقال ضاحكا: هل هلالك، كنتي فين شغلتينا عليكي؟ - أبدا، أخدت أجازة عشان خطوبة أخويا. - ألف مبروك وعقبالنا ... أقصد عقبال كل اللي ما اتجوزوش.
ابتسم وانصرف وتركني أتخبط في حيرتي، هل هو يعنيني معه أم حقا يعني كل من لم يتزوج؟ هكذا كانت علاقتي بعصام كلاما عاما يحمل بين طياته كلاما يحتمل أكثر من معنى، مما يزيد حيرتي ويدفع قلبي للتعلق به ضاربا عرض الحائط بكل تحذيرات العقل، ورغم ذلك كنت ألتزم في كلامي وعلاقتي بعصام حدود الزمالة، ولا أسمح له أن يتخطاها. ذات يوم كنت على موعد مع هدى لنخرج معا للتسوق، فقالت لي إنها ستمر علي بعد انتهاء العمل لنذهب معا للمول المجاور لعملي فوافقت، وبمجرد وصولها طلبت منها أن تبقى قليلا حتى أنتهي من عملي، وعندها دخل عصام المكتب بحجة واهية كعادته، فجلست هدى تتحدث مع سليم هاتفيا حتى نخرج وعرفت منه أنه لم يذهب للعمل بسبب مرضه، فأصرت على الذهاب لرؤيته فقلت لها: يا بنتي ماتخافيش، دول شوية سخونية بسبب البرد، وتلاقي ماما قامت بالواجب وبقى زي القرد. - إخص عليكي يا نهلة، أنا هاتجنن عليه وانتي كده هادية؟ وكمان بتقولي عليه قرد؟ - ماتزعليش هو قمر، بس صدقيني بقى كويس، بس ماما أول ما حد مننا يتعب لازم تعتقله يومين لحد ما تتأكد أن صحته بقت تمام. - بجد يا ناني ولا بتضحكي علي؟ - هأكد لك دا لما نخلص شرا حاجتنا وأخدك البيت تطمني عليه بنفسك، بس عدي الجمايل، سيبيني بقى أخلص عشان ننزل.
خرجت هدى تحدثه مرة أخرى، فاقترب عصام وقال: واضح إنها بتحبه أوي. - طبعا سليم أخويا يتحب. - وانتي؟ - أنا إيه؟ - جربتي الحب؟ - لأ. - ليه بتخافي؟ - لأ، بس ما أحبش أسلم زمام حياتي لقلبي وأضيع. - ما يمكن ما تضيعيش وتلاقي نفسك وسعادتك.
अज्ञात पृष्ठ