فالبصريون يجعلون الرافع للمبتدأ هو الابتداء، وهو عامل معنوي، والكوفيون يثبتون عاملا معنويا آخر يسمونه الخلاف، يجعلونه عامل النصب في الظرف إذا كان خبرا، نحو: زيد عندك، وفي الفعل المضارع بعد فاء السببية أو واو المعية، والأخفش يعد التبعية عاملا معنويا. أما في باب التمييز، فقالوا: إن الاسم نصب عن تمام الكلام، ولم يذكروا عاملا لفظيا ولا معنويا.
فهذه الأوجه تنقض نظرية النحاة في العامل، أو تنقصها على الأقل، وهي مناقشة لكلامهم بمثل أصولهم، وبحكم قواعدهم التي التزموا.
على أن أكبر ما يعنينا في نقد نظريتهم أنهم جعلوا الإعراب حكما لفظيا خالصا يتبع لفظ العامل وأثره، ولم يروا في علاماته إشارة إلى معنى، ولا أثرا في تصوير المفهوم، أو إلقاء ظل على صورته، فقد رأيت الكسائي يحرك نون رئمان بالحركات الثلاث من غير أن يشير إلى ما يصير إليه المعنى عن كل حركة.
ونحن نحاول أن نبحث عن معاني هذه العلامات الإعرابية، وعن أثرها في تصوير المعنى، فإذا تمت لنا الهداية إلى هذا، وجدنا عاصما يقينا من اضطراب النحاة، وحكما يفصل في خصوماتهم العديدة المتشعبة، ولم يكن لنا أن نسأل عن كل حركة ما عاملها، ولكن ماذا تشير إليه من معنى.
ومعاني هذه العلامات الإعرابية ستكون بحثنا في الفصل التالي، ولكنا من قبل أن نأخذ في شرحها، يجب أن نعرض لرأي في أصول الإعراب رآه المستشرقون، واستعانوا فيه بدرسهم علم اللغات ومقارناتها.
رأي المستشرقين في أصل الإعراب
وللمستشرقين في أصل الإعراب آراء لا يجدر بنا أن نذكرها جميعا، فإنما هي فروض لم تستقر، ولم يجز بها الدليل إلى ساحة العلم المؤيد؛ وإنما نذكر الفرض الذي يراه المستشرقون أنفسهم أقربها إلى الصواب وأولاها بالدرس.
هذا الرأي كتبه العالم (ريت)
1
في محاضراته: «مقارنة نحو اللغات السامية» وبينه الأستاذ «بروكلمان»
अज्ञात पृष्ठ