إحياء النحو
إحياء النحو
تأليف
إبراهيم مصطفى
تقديم الكتاب
بقلم طه حسين
هذا كتاب سيراه الناس جديدا، وما أرى أنهم سيتلقونه بما تعودوا أن يتلقوا به الكتب من الدعة والهدوء، وما أحسبني أخطئ إن قدرت أنهم سيدهشون له، وأن كثيرا منهم سيضيقون به، وقد يتجاوزون الضيق إلى الخصومة العنيفة والإنكار الشديد؛ لأن الكتاب جديد كما قلت، في أصله وفي صورته، وهو من أجل ذلك يخالف كثيرا جدا مما ألف الناس، وقد يغير كثيرا جدا مما ألف الناس، فلا غرابة في أن يلقوه بالدهش، وفي أن يثور به الثائرون.
ولكني مع ذلك لا أقدمه إلى الناس كما أقدم شيئا جديدا بالقياس إلي، فإن عهدي به قديم، وإلفي له متصل، ولست أجاوز القصد إن قلت إني لقيته لقاء الصديق، واستمعت له كما أستمع لحديث الصديق، في كثير من الحب والحنان والوفاء، فهو يذكرني أكثر أطوار حياتي العلمية، منذ أخذت أطلب العلم صبيا وشابا إلى الآن؛ ذلك أنه كتاب نشأ مع عقل صاحبه، وتطور بتطوره، واختلفت عليه الصروف، كما اختلفت على صاحبه الصروف، ثم خرج منها كما رأيته وكما سيراه القراء، قويا صلبا متينا، لا يعرف الضعف ولا الفتور، ولا يعرف الخور ولا لين القناة.
أنا قديم العهد به، ألقاه الآن لقاء الصديق؛ لأني قديم العهد بصاحبه، ما لقيته قط إلا امتلأت نفسي بهجة ورقة وحنانا؛ لأني أرى فيه خير ما مر بي من أطوار الحياة، وشر ما مر بي من أطوار الحياة أيضا. وأراه الصديق الأمين والأخ الوفي في أطوار الخير والشر جميعا، وأرى معه هذا الكتاب يتحدث إلي به، ويجادلني فيه، ويلح علي في الحديث والجدال، فلا يبلغ إلحاحه مني مللا ولا سأما، وإنما يثير في رغبة مجردة إلى المناقشة والحوار.
وما رأيك في أني أعرف إبراهيم منذ آخر الصبا وأول الشباب، حين كنا نلتقي في حلقات الدرس في الأزهر الشريف، فنسمع لشيوخنا، ثم نلتقي بعد الدرس فنعيد ما كانوا يقولون، نكبر أقله فنستبقيه في أنفسنا، ونصغر أكثره فنعرض عنه إعراضا أو نتخذه موضوعا للعبث والمزاح.
अज्ञात पृष्ठ