جزء الكلمة لا يكون عاملا فيها. (14)
قد يعترض العامل ما يلغي عمله أو يكفه عنه، وقد يعترضه ما يعلقه عن العمل فيكون عاملا في المحل وليس له من أثر في اللفظ، فللعامل ثلاث حالات: الإعمال، والتعليق، والإلغاء. ولكل موضع. (15)
كل جماعة من العوامل تشابهت في العمل تكون أسرة واحدة، كباب إن، وباب كان، وتكون أداة من هذه الأدوات أوسع عملا فتسمى «أم الباب»، ولها من الحقوق في العمل والتصرف في الباب ما ليس لغيرها من أدواته. فكان أم الأفعال الناقصة، وإن أم الأدوات التي تنصب الأول وترفع الثاني، وإن تباعد ما بينها في المعنى؛ لأن اتفاق العمل وحده هو الأصل في تقسيم هذه الأسر، وتحديد أبوابها.
ولما تكونت للنحاة هذه الفلسفة حكموها في اللغة، وجعلوها ميزان ما بينهم من جدل في المذاهب، ومناقشة في الآراء والبصريون أحرص على هذه الفلسفة وأمهر فيها؛ على أن الكوفيين لا يغفلونها ولا يأبون الاحتجاج بها، فهي دستور النحاة جميعا: (1)
يؤيدون بها مذهبا على مذهب. فإذا قال الكسائي: إن عامل الرفع في الفعل المضارع حرف المضارعة، قالوا: إن حرف المضارعة صار كالجزء من الفعل، وإن جزء الكلمة لا يعمل فيها، ويرفضون بذلك مذهبه. ويقول الكوفيون: إن المبتدأ رفع بالخبر، والخبر رفع بالمبتدأ. فيقول البصريون: إن الكلمتين لا تتبادلان العمل حتى يكون كل منهما عاملا معمولا. فذلك مثل من حوارهم واحتكامهم إلى فلسفتهم في العامل. (2)
بل هم يتجاوزون ذلك إلى تفضيل لغة من لغات العرب على أخرى بأصول فلسفتهم هذه؛ فيفضلون لغة تميم على لغة أهل الحجاز في «ما»؛ وذلك أن الحجازيين يعملون «ما» عمل «ليس» كما تعلم، ومنه في القرآن الكريم
ما هذا بشرا ، وبنو تميم يهملونها ويرفعون جزءي الجملة بعدها؛ فيقول النحاة: إن لغة تميم أقيس؛ لأن «ما» لا تختص بالدخول على الاسم، فليس من قياسها أن تكون عاملة فيه. ويرون أن هذه الفلسفة جعلتهم أفقه بالعربية من العرب. (3)
ويرفضون بهذه القواعد بعض الأساليب العربية؛ يسمعون من العرب «رب والله رجل.» فيردونه على قائله، محتجين بأن حرف الجر عامل ضعيف لا يفصل بينه وبين معموله. وكذلك يرفضون الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ثم يروى هذا الفصل كثيرا في الشعر، ويقرأ به قارئ من السبعة آية من القرآن الكريم، فيصر النحاة على الإخلاص لفلسفتهم النحوية، وقبول حكمها، ورفض ما ورد من هذا الفصل في الشعر، وتضعيف رواية القارئ في القرآن. (4)
يشرعون بها أساليب في العربية لم يسمعوها من العرب، يقيسونها على ما سمعوا. وآلة القياس من هذه الفلسفة، مثلا: يختلفون في خبر «ليس» أيقدم عليها؟ فيجيب قوم: لا؛ لأن «ليس» فعل غير متصرف؛ فهو عامل ضعيف لا يتقدم عليه معموله نظير نعم وبئس وعسى وفعل التعجب. ويقول آخرون: بل يصح؛ لأنه قد ورد في القرآن الكريم
ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم
अज्ञात पृष्ठ