رابعها: أن بعض المحققين من المعتزلة رحمهم الله تعالى قائلون بأن العبد وإن كان هو الفاعل لأفعاله الاختيارية والمحدث لها والمؤثر فيها والموقع لحركاتها وسكناتها باختياره وتأثيره، لكنها -أي أفعاله- لا تتصف بأنها أمور موجودة حقيقة، وإنما هي صفات إضافية، وهذا هو مذهب الشيخ أبي الحسين البصري وأتباعه كتلميذه الشيخ محمود بن الملاحمي الخوارزمي، وابن تيمية العلامة الحنبلي المشهور هو معدود[16] في المعتزلة ، وكيف لا وقد وافقهم في مسألة الحسن والقبيح عقلا، ومسألة أفعال العباد وغيرهما من المسائل التي صرح بها في كسبه وطعن عليه فيها قوم لا .....في ميدانه ولا يعدون من أقرانه، وإلى هذا المذهب المذكور ذهب جميع أهل البيت رضي الله عنهم كالإمام يحيى بن حمزة قدس الله روحه في الجنة وتبعه على هذا غيره منهم، وهو مما يميل إليه صحاب الآثار منهم رضي الله عليهم، وإن كان في كلامه اختباط ظاهر، والمراد بيان بطلان قول المعترض فلا يشاركه من خلقه في الإيجاد واحد؛ لأن نفي الإيجاد لا يستلزم نفي الأحداث والتأثير لما تقرر في محله من أن نفي الأعم أخص، ونفي الأخص أعم والإيجاد أخص من الإحداث والتأثير والإيقاع، كما أن المشاركة في الإيجاد أخص من تعلق الإيجاد وهو ظاهر، وأهل هذا المذهب من أهل البيت والمعتزلة ومن تابعهم نظروا إلى أن أفعال العبد أفعال جوارح وما هي إلا حركات وسكنات فلا تتصف بأنها وجودات أو إيجادات أو أكوان حاصلة في الخارج بتحصيل وإيجاد، وهذا منهم بناء على نفيهم للأعراض والأكوان والموجودة، وقريب من هذا المذهب، مذهب إمام الحرمين، والإمام الرازي لولا أنهما صرحا تصريحا تاما بأن حدوث العبد مؤثر في إيجاد أفعاله وتحصيلها، وصرحا بأن الكسب لا مسمى له وأنه تمويه، وحكى هذا الإمام الرازي عن الأستاذ أبي إسحق، وقول بعض أصحابنا أنه حكاه عن الشيخ أبي إسحق وهو الشيرازي غلط ظاهر.
पृष्ठ 44