متناقضة وأمور مشكلة فإن يكن الرسول والكتاب حقا فقد هلكت لشكي في ذلك وإن كانا باطلين فما علي من بأس.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام سبوح قدوس رب الملائكة والروح تبارك وتعالى هو الحي الدائم القائم ( على كل نفس بما كسبت ) هات أيضا ما شككت فيه.
قال حسبي ما ذكرت يا أمير المؤمنين.
قال سأنبئك بتأويل ما سألت ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) و ( عليه فليتوكل المتوكلون ).
فأما قوله ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) وقوله ( يتوفاكم ملك الموت ) و ( توفته رسلنا ) و ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ) و ( الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم ( بأمره يعملون ) فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتون منسوب إليه وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه ( يتوفى الأنفس ) على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وإن فعل أمنائه فعله فما يشاءون ( إلا أن يشاء الله ).
وأما قوله ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه ) وقوله ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك بقوله : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وبقوله ( الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ).
وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ولم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطرق الحق.
पृष्ठ 247