وإذا قامت الحجة على فضل أمير المؤمنين (ع) على نبي من الأنبياء ولاح على ذلك البرهان وجب علينا القول به وترك الخلاف فيه ولا يوحشنا منه خلاف العامة الجهال وليس في تفضيل سيد الوصيين وإمام المتقين وأخي رسول رب العالمين ونفسه بحكم التنزيل وناصره في الدين وأبي ذريته الأئمة الراشدين على بعض الأنبياء المتقدمين أمر يحيله العقل ولا يمنعه السنة ولا يرده القياس ولا يبطله الاجماع إذ عليه جم غفير من شيعته وقد نقلوا ذلك عن الأئمة من ذريته (ع) وتفصيل الكلام في هذا المقام وتقريبه إلى المرام على ما أشار إليه بعض الموحدين الأعلام أنهم اتفقوا على أن المراتب الثابتة عند الله تعالى للأنبياء السابقة وغيرهم من الأولياء كمولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (ع) ثابتة لهم من روحانية نبينا (ص) المعطي لهم مراتبهم في العوالم الثلاثة لأنه قطب الكل وإذا كان كذلك وجب أن يكون الأولياء من أئمتنا المقتبسين عن النبي (ص) بجهتي روحانية وجسمانية أفضل من الأنبياء وأكمل وأتم ولا عجب في أفضلية الولي المتضرع من النبي (ص) الكامل القائم مقامه والمشاهد لمعارجه والمطلع على جميع مقاماته الشهودية وأحواله الملكوتية عن النبي (ص) القاصر عن الكمال الجمعي الناقص في الاطلاع على حقايق مقامات الكامل وكيفيات معارجه وتطوره بالأطوار الشهودية الجمعية وبالجملة الأنبياء لما كانوا في الوجود الصوري أسبق من القطب المحمدي (ص) كان أخذهم عنه إنما هو باعتبار صورته المعنوية الحاصلة في عالم العقول من حيث أنه عقل الكل ونفس الكل المندرج فيه إجمالا ما هو فيما تحته من العوالم مفصلا وأما أوليائه فلتأخر وجودهم الصوري عن وجوده الصوري كان أخذهم ما أخذوه عنه باعتبار المقامين معا فشاركوا الأنبياء في المقام الأول واختصوا دونهم بالمقام الثاني الذي هو مقام التفصيل لأنه لما نزل إلى عالم الطبيعة بالصورة الإنسانية فصل فيهما أجمل هناك وظهر فيه بمقامات الوحي الملكي ما لم يكن ولهذا احتاج الأنبياء في تدبير النوع الإنساني إلى الوحي المنزل على أيدي الملائكة لتعريف الحوادث الكونية وحصل لهم زيادة الكمالات بذلك وبالمجاهدات والغزوات والمحن والرزايا ومخالفة القوم ومجاهدتهم معهم فأولياء نبينا (ص) يشاهدون منه جميع ذلك على التفصيل فتخلقوا بجميع أخلاقه التي وصفها الله تعالى بالعظم في قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم والعظيم لا يقول في شئ عظيم إلا إذا كان في غاية ما يكون من العظمة واقتدوا به في جميع مسالكه الإجمالية والتفصيلية ثم حصل لهم مع تمام النسب المعنوي الحاصل لهم بسبب التشبيه التام والتخلق الحقيقي بجميع أخلاقه النسب الصوري والقرب اللحمي والدموي فاشتركت المواد واتحدت الصور فكانوا في الحقيقة هم هو وهو هم باعتبار النسبتين فصاروا بذلك أهل الجمعية التامة والمقامات العامة فتحقق لهم مزيد الفضل والاختصاص بالكمالات الحقيقية على من سواهم من ساير الأنبياء والأولياء كما تحقق له (ص) ذلك من غير فرق وفي الدعاء المأثور عن أهل البيت (ع) آمنت بسر آل محمد وعلانيتهم وظاهرهم وباطنهم وأشهد أنهم في علم الله وطاعته كمحمد (ص) فافهم مقاماتهم الإلهية وخصايصهم النبوية فإنها مقامات عزيزة الأحكام عزيزة المرام فاعرفها جدا تكن عارفا بهم حق المعرفة التي وجبت عليك بقوله (ص) من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية والله الموفق قال المصنف رفع الله درجته وأيضا جميع العلوم مستندة إليه أما الكلام وأصول الفقه فظاهر وكلامه (ع) في النهج يدل على كمال معرفته في التوحيد والعدل وجميع جزئيات علم الكلام والأصول وأما الفقه فالفقهاء فكلهم يرجعون إليه أما الإمامية فظاهر وأما الحنفية فإن أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة وهو تلميذ الصادق (ع) وأما الشافعية فأخذوا عن محمد بن إدريس الشافعي وهو قرأ على محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك فرجع فقهه إليهما وأما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي فرجع فقهه إليه وأما مالك فقرأ على اثنين أحدهما ربيعة الرأي و هو تلميذ عكرمة وهو تلميذ عبد الله بن عباس وهو تلميذ علي (ع) والثاني تلميذ مولانا جعفر الصادق (ع) وكان الخوارج تلامذة له (ع) وأما النحو فهو واضعه وكذا علم التفسير قال ابن عباس حدثني أمير المؤمنين (ع) في باء بسم الله الرحمن الرحيم من أول الليل إلى الفجر ولم يتم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذكر أن أبا حنيفة قرأ على الصادق (ع) ثم ذكر أن الشافعي قرأ على محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك فرجع فقهه إليهما ويفهم من هذا أن كل من قرأ على أحد يرجع فقهه إليه فيرجع فقه جميع الأئمة على هذا التقدير إلى الصادق (ع) وفقه الصادق (ع) عنده لا شك أنه حق وصدق فلم يبق له بعد هذا الكلام اعتراض على الأئمة الأربعة وأما قوله أن الشافعي قرأ على محمد بن الحسن فهو كذب وبطل وأما قوله أن جميع العلوم من الفقه والأصول والكلام يرجع إلى أمير المؤمنين (ع) فإن أراد أن أصحاب هذه العلوم ما استفادوا في تدوين هذه العلوم عن غير كلام أمير المؤمنين (ع) فهو محال كما لا يخفى وإن أراد أنهم استفادوا من كلامه أيضا كما استفادوا من كلام باقي علماء الصحابة فهذا حق لا شك فيه انتهى وأقول نسبة الشافعي إلى تلميذ محمد بن الحسن مما سبق إليه ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في شرح نهج البلاغة حيث قال ما هذه عبارته وأما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فرجع فقهه إلى أبي حنيفة وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد الصادق (ع) وجعفر قرأ على أبيه وينتهي الأمر إلى علي (ع) وأما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي وقرأ ربيعة على عكرمة وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس وقرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب (ع) وإن شئت رددت عليه فقه الشافعي بقرائته على مالك كان ذلك لك انتهى كلامه بعبارته ويمكن أن يكون المصنف قد علم بطلان تلك النسبة أيضا لكن لما وقع إثباتها في كلام ابن أبي الحديد الحنفي وغيره أراد إحاطة ما قيل في هذا المقام لئلا يقول أحد ممن ذهب مذهب ابن أبي الحديد أن تلمذ الشافعي لا ينحصر في مالك فلا يتم الارجاع على أن النووي شيخ متأخري الشافعية قد صرح في كتابه الموسوم بتهذيب الأسماء بأن الشافعي روى عن محمد بن الحسن فجاز أن يكون المراد من التلمذ في كلام المصنف وكلام ابن أبي الحديد هذا وأما ما فهمه من عبارة
पृष्ठ 200