على أسامة فلا يكون لهم الخلافة التي هي الحكم على عامة المكلفين والحال أن أبا بكر قبل إتمام ذلك الجيش جلس على مسند الخلافة وطلب البيعة من أسامة فرد عليه أسامة ودعاه إلى متابعة أمر النبي (ص) ومتابعة نفسه والدخول تحت رايته وذا بطل خلافة أبي بكر بطل خلافة أخويه لئلا يلزم خلاف الاجماع المركب فت. مل وأما ما ذكره الناصب بقوله فلما بلغ أمر الخلافة إلى أبي بكر لم يكن ملايما لأمر الإسلام أن يذهب الخليفة بنفسه إلى آخره ففيه أن الكلام والطعن والملام في تخلفه في زمان حياة النبي (ص) وعند مبالغته في أيام مرضه بتجهيز جيش أسامة كما صرح به الشهرستاني لا على تخلفه بعد وفاة النبي (ص) فقط وعند إدراكه للخلافة التي كان تخلفه وتساهله لأجلها وأما قوله سيما وقد ارتد جميع العرب إلى آخره فكذب صريح ولو كان كذلك لكان تجهيز النبي (ص) للجيش عليهم أولى لقربهم من المدينة وتوقع سرعة فسادهم بل بم يكن هناك مرتد أصلا كما سبق بيانه آنفا وإنما كان هناك طوايف قليلة باقية على كفرهم الأصلي لا ضلال مسيلمة الكذاب وسجاح لهم وأما عدة من الطوايف الآخر الذين سموهم أيضا أهل الردة فهم الذين منعوا الزكاة عن أبي بكر لإنكارهم استحقاقه بخلافة النبي (ص) كما مر وهم لم يكونوا في زمان رسول الله (ص) في مقام المخالفة ولا في أيام اشتغال أبي بكر بالخلافة حتى تجعل مخالفتهم عذرا في تخلفه عن جيش أسامة فهو بظاهره كلام صادق لا يفيد الناصب ولا يضرنا لأن أسامة وأكثر أهل العسكر قد خرجوا عن المدينة قبل وقاة النبي (ص) بأيام وكانوا ينتظرون لحوق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم وهم كانوا مختلفين متوقفين في المدينة يترقبون حال النبي (ص) فيصدق قوله أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة ولو سلم النقل ويلم أن الجزري أراد ما فهمه الناصب من أنهم لم يكونوا داخلين في ذلك الجيش بحسب أمر النبي (ص) فيصير مناقضا لما جزم به الناصب قبل ذلك في قوله ومع ذلك استأذن عن أسامة هو الأمير في التخلف فأذن له انتهى مع أن ذلك معارض بما ذكره خاتم المحدثين قدس سره في كتاب روضة الأحباب حيث نص على أن الثلاثة كانوا داخلين في جيش أسامة وبما مر من شعر ابن أبي الحديد المعتزلي في قصيدته المشهورة مادحا لعلي متعرضا على أبي بكر بقوله ولا كان في بعث بن زيد مؤمرا عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا وأما الاستدلال على عدم دخول أبي بكر في جيش أسامة بأن النبي (ص) بعد ما أنفذ جيش أسامة قال مروا أبا بكر فليصل بالناس إلى آخره فمردود بأنه إن أراد بإنفاذ الجيش خروج جميع من كان داخلا في ذلك الجيش إلى تحت راية أسامة فكذبه ظاهر من كلام الشهرستاني وغيره وقد مر وإن أراد الانفاذ في الجملة مع بقاء أبي بكر وإخوانه في المدينة فلا ينافي حضوره في مسجد المدينة وصيرورته مأمورا بالصلاة فيها على أن كونه مأمورا بالصلاة من جانب النبي (ص) بعلم من النبي (ص) أنه حاضر في المسجد غير خارج عن؟؟؟
معسكر أسامة؟؟؟ عند الشيعة كما مر وإنما المسلم عندهم أنه بعد تخلفه كان يحضر المسجد خفية لاستخبار حال النبي (ص) فأمرت عايشة بذلك ولما استشعر النبي (ص) بذلك تكلف للخروج إلى المسجد ونحى أبا بكر عن المحراب وأم بنفسه ولعل تكلفه (ص) للسرعة في الخروج وتبعيد أبي بكر عن المحراب إنما كان لأجل تألمه (ص) عنه وغضبه عليه في تخلفه عن جيش أسامة فتفطن قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه قال إن لي شيطانا يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وكيف يجوز نصب من يرشد العالم ثم يطلب الرشاد منهم وقال الناصب خفضه الله أقول هذا ليس من روايات أهل السنة بل من روايات الروافض وإن سلمنا صحته فإن لكل إنسان شيطانا كما قال رسول الله (ص) فسأل عنه وأنت أيضا يا رسول الله (ص) فقال وأنا أيضا إلا أنه أعانني الله تعالى عليه فأسلم وهذا من باب إنصاف الصديق وأما طلب الرشاد فهو من طلب المشورة وقد أمر رسول الله (ص) بهذا في قوله تعالى وشاورهم في الأمر ولم يكن هذا استرشادا بل استعانة في الرأي وتأليفا لقلوب التابعين وكلام الصديق إن صح الرواية من هذا البا وأقول أولا إن الحديث مما اتفق عليه الفريقان فلا محال لمنع صحته ويشعر بتسليمه أيضا لصحته تعليل ذلك بقوله فإن لكل إنسان شيطانا إلى آخره وثنيا إنا لو سلمنا ما روي من أن لكل إنسان شيطانا فهذا لا يقدح في مقصود المصنف لأنه استدلال باعتراف أبي بكر باعتراء الشيطان له والاعتراء إنما يتحقق بصدور المعصية فهذا اعتراف من أبي بكر بأن شيطانه سلط عليه بإيقاعه إياه في المعصية وعدم انفكاكها عنه مع أن القول لأن لكل إنسان شيطانا مناقض للقول بأن بعضا منهم مسلم لأن الشيطان في الحقيقة من كان كافرا بالله غالبا على من صاحبه كما كان لأبي بكر وقد اشتبه في ذلك على الناصب حال الشيطان وحال الجن فإن من الجن من يكون مسلما كما نطق به القرآن وهو لا يوصف بالشيطان كما لا يخفى وأما جملة الشرطية المذكورة على ما مجمج فيه من طلب المشورة وطلب الرشاد فمع ما مر من أن بناء استدلال المصنف ليس عليها مردود بأن طلب الإشارة والإرشاد في أحكام الحلال والحرام الذي يجب فيها استقلال الإمام يدل على قصور طالبه عن تلك المرتبة والمقام خصوصا إذا صدر بذلك الأسلوب من الكلام الذي ينادي على قابله بالعجز التام قال المصنف رفع الله درجته ومنها قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ويلزم منه خطأ أحد الرجلين لارتكاب أحدهما ما يوجب القتل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لم يصح عندنا رواية هذا الخبر وإن صح كان تحذرا من غير أن ينفرد الناس بلا حضور العامد بالبيعة ولهذا سماه فتنة وكان ذلك لضرورة داعية إليه وذلك أن النبي (ص) توفي من غير استخلاف وإنما لم يستخلف النبي (ص) ليعلم أن نصب الإمام ليس من أصول الشرايع بل هي من الواجبات على الأمة فالواجب عليهم أن ينصبوا بعده ولهذا وكل أمرها إليهم فلما توفي رسول الله (ص) أراد الأنصار في سقيفة بني ساعدة أن ينصبوا بينهم أميرا منهم وكان هذا سبب الاختلاف الذي كان وقوعه سببا لذهاب الإسلام لضعف القلوب وزيغها عن الإسلام بسبب وفاة رسول الله (ص) وارتداد العرب فتسارع أبو بكر وعمر إلى السقيفة لرفع الاختلاف ووقع البيعة ولو كانوا يؤخران البيعة إلى حضور جميع الناس واتفاق كل الآراء لكان يخاف منه وقوع الفتنة والاختلاف فتسارعوا إلى عقد البيعة واكتفوا بإجماع أهل الحل والعقد وهم كانوا ذلك اليوم الأنصار إلا أنهم كانوا العسكر وأهل الحل والعقد في الخلافة هم العساكر وأمرائها فهذه الضرورة دعت إلى استعجال البيعة فلما تم هذا الأمر أراد عمر أن يبين للناس أن بيعة أبي بكر كانت فلتة دعت إلينا
पृष्ठ 219