واستوحش ممن يوافقه، وكان انسه بعبده - وإن كان ذميا - أكثر من انسه بعالم وفقيه - وإن كان مهذبا - ويأنس بوكيله أحيانا ولا يأنس برئيسه، كما يأنس بزوجته أكثر من انسه بوالدته، ويأنس إلى الاجنبي فيما لا يأنس فيه إلى الاقرب منه، وتأتي عليه الاحوال يرى أن التأنس ببعيره وفرسه أولى من التأنس بأخيه وابن عمه، كما يختار المسافر استصحاب من يخبره بأيام الناس، ويضرب له الامثال، وينشده الاشعار، ويلهيه بالحديث عن الذكر وما يبهج (1) الخواطر بالبال، ولا يختار استصحاب أعبد الناس ولا أعرفهم بالاحكام ولا أقرأهم للقرآن، وإذا كان الامر على ما وصفناه لم يثبت لابي بكر فضل بالانس به، ولو سلمناه ولم نعترض في بطلانه بما قدمناه، وهذا بين لا إشكال فيه عند ذوي الالباب. وأما كونه للنبي صلى الله عليه وآله ثانيا، فليس فيه أكثر من الاخبار بالعدد في الحال، وقد يكون المؤمن في سفره ثاني كافر، أو فاسق، أو جاهل، أو صبي، أو ناقص، كما يكون ثاني مؤمن وصالح وعالم وبالغ وكامل، وهذا ما ليس فيه اشتباه، فمن ظن به فضلا فليس من العقلاء. وأما الصحبة فقد تكون بين المؤمن والكافر كما تكون بينه وبين المؤمن، وقد يكون الصاحب فاسقا كما يكون برا تقيا، ويكون أيضا بهيمة وطفلا، فلا معتبر باستحقاقها فيما يوجب المدح أو الذم، ويقتضي
---
(1) في أ: عن الفكر وما ينتج (*).
--- [ 188 ]
पृष्ठ 187