فهجم عليها فوجد عندها من اللّحم والعظام ما يشهد بصحة ذلك فحُبست مقيَّدة وأرجئ قتلها احتراما لزوجها وإبقاءً على الولد في جوفها.
ولو أخذنا نقصُّ كل ما نرى ونسمع لوقعنا في التهمة أو في الهذر، وجميع ما حكيناه مما شاهدناه لم نتقصَّده ولا تتبعنا مظانَّه وإنّما هو شيء صادفناه اتّفاقا بل كثيرا ما كنت أفرُّ من رؤيته لبشاعة منظره.
وأما من يتحين ذلك بدار الوالي فإنه يجد منه أصنافا تحضر مع آناء الليل والنهار، وقد يوجد في قدرٍ واحدة اثنان وثلاثة وأكثر، ووجد بعض الأيام قِدر فيها
عشر أيد كما تُطبخ أكارعُ الغنم، ووجد مرة أخرى قِدر كبيرة وفيها رأسٌ كبيرٌ وبعض الأطراف مطبوخا بقمحٍ وأصنافٍ من هذا الجنس تفوت الإحصاء.
وكان عند جامع ابن طولون قوم يتخطَّفونَ الناس، ووقع في حبالتهم شيخ كتبي بَدينٌ ممّن يتبيّعنا الكتب فأفلت بجريمة الذقن، وكذلك بعض قُوَّام جامع مصر وقع في حبالة قوم آخرين بالقرافة فتداركه الناس فخلص من الوهق وله حصاص وأما من خرج من أهله فلم يرجع إليهم فخلقٌ كثير وحكى لي من أثق به أنه اجتاز على امرأةٍ تجرية وبين يديها ميت قد أنتفخ وتفجر وهي تأكل من أفخاده فأنكر عليها فزعمت أنه زوجها، وكثير ما يدّعي الآكل أن المأكول ولده أو زوجه أو نحو ذلك، ورُئي مع عجوز صغير تأكله فاعتذرت بأن قالت إنّما هو ولد ابنتي وليس بأجنبي منّي ولإن آكله خير من أن يأكله غيري.
وأشباه هذا كثير جدًا حتى أنك لا تجد أحدا في ديار مصر إلّا وقد رأى شيئا من ذلك، حتى أرباب الزوايا والنساء في خدورهن.
ومما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وهذه البلية التي شرحناها وجدت في جميع بلاد مصر ليس فيها بلد إلّا وقد أكل فيه الناس أكلا ذريعا من أسوان وقوص واليوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحي،
وخبرني بعض أصحابي وهو تاجر مأمون حين ورد من الإسكندرية بكثرة ما عاين بها من ذلك، وأعجب ما حكى لي أنه عاين أرؤس خمسة صغارٍ مطبوخة في قدر واحدة بالتوابل الجيدة،
1 / 52