الفصل الثاني في
حوادث سنة خمس وتسعين وخمسمائة
ودخلت سنة سبع مفترسة أسباب الحياة، وقد يئس الناس من زيادة النيل وارتفعت الأسعار وأقحطت البلاد وأشعر أهلها البلاء وهرجوا من خوف الجوع وانضوى أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد وانجلى كثير منهم إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا في البلاد ومُزِّقوا كل مُمزَّق، ودخل إلى القاهرة ومصر منهم خلق عظيم، واشتدَّ بهم الجوع ووقع فيهم الموت، وعند نزول الشمس الحمل وبئَ الهواء ووقع المرض والموتان، واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجِيَف والكلاب والبعر والأرواث، ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا صغار بني آدم فكثيرا ما يُعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون، فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل لذلك والآكل.
ورأيت صغيرًا مشويا في قفة، وقد أُحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وامرأة يزعُم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما.
ووجد في رمضان وبمصر رجل وقد جُرِّدت عظامه عن اللحم، فأُكل وبقي قفصا كما يفعل الطباخون بالغنم، ومثل هذا أعوز جالينوس مشاهدته ولذلك تطلبه بكل حيلة، وكذلك كلّ من آثر الإطلاع على علم التشريح، وحينما نشم الفقراء في آكل بني آدم كأن الناس يتناقلون أخبارهم ويفيضون في ذلك استفظاعا لأمره وتعجّبا من ندوره، ثم اشتد قربهم إليه واعتيادهم عليه بحيث اتّخذوه معيشةً ومطيّة ومدَّخرا وتفنَّنوا فيه، وفشا عنهم ووُجِد بكلِّ مكان من ديار مصر، فسقط حينئذ
التعجب والاستبشاع واستهجن الكلام فيه والسماع له.
ولقد رأيت امرأةً يسحبها الرّعاعُ في السوق وقد ظفر معها بصغير مشويٍّ تأكل منه، وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شئونهم وليس فيهم من يعجب لذلك أو ينكره، فعاد تعجبي منهم أشد وما ذلك إلّا لكثرة تكرُّرِه على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف الذي لا يستحقُّ أن يُتعجب منه.
ورأيتُ قبل ذلك بيومين صبيا نحو الرهاق مشويًا وقد أخذ به شابان أقرَّا بقتله وشيِّه وأكلِ بعضه.
1 / 49