باب القول في معنى الرفع والنصب والجر من طريق اللغة
قد قلنا إن الإعراب حركة ودللنا على معناه. والحركة لا تقوم بنفسها ولا توجد إلا في حرف، فلما كان الرفع والنصب والجر قد يكون في الكلام بأشياء سوى الحركة كما بينا ذلك فيما تقدم، وكان الأصل الحركة، وهو الأعم والأكثر، نسبوا ذلك كله إلى الحركة، فنسبوا الرفع كله إلى حركة الرفع لأن المتكلم بالكلمة المضمومة يرفع حنكه الأسفل إلى الأعلى ويجمع بين شفتيه وجُعل ما كان منه بغير حركة موسومًا أيضًا بسمة الحركة لأنها هي الأصل. والمتكلم بالكلمة المنصوبة يفتح فاه، فيبين حنكه الأسفل من الأعلى، فيبين للناظر إليه كأنه قد نصبه لإبانة أحدهما عن صاحبه. وأما الجر فإنما سمي بذلك لأن معنى الجر الإضافة؛ وذلك أن الحروف الجارة تجر ما قبلها فتوصله إلى ما بعدها كقولك مررت بزيد، فالباء أوصلت مرورك إلى زيد. وكذلك المال لعبد الله. وهذا غلام زيد.
هذا مذهب البصريين وتفسيرهم. ومن سماه منهم (و) من الكوفيين خفضًا، فإنهم فسروه نحو تفسير الرفع والنصب فقالوا لانخفاض الحنك الأسفل عند النطق به، وميله إلى إحدى الجهتين.
وأما الجزم فأصله القطع. يقال جزمت الشيء وجذمته وبترته
1 / 93