به زمانًا غير معرب ثم أعربته. فإن قال: فمن أين حكمتم على ما سبق بعضه بعضًا وجعلتم الإعراب الذي لا تُعقل أكثر المعاني إلا به ثانيًا، وقد زعمتم أنها تكلمت هكذا جملة؟ قيل له: قد عرفناك أن الأشياء تستحق المرتبة والتقديم والتأخير على ضروب، فنحكم لكل واحد منها بما يستحقه، وإن كانت لم توجد إلا مجتمعة. ألا ترى أنا نقول إن السواد عرض في الأسود، والجسم أقدم من العرض بالطبع والاستحقاق، وأن العرض قد يجوز أن يُتوهم (منفصلًا) عن الجسم والجسم باق، فنقول إن الجسم الأسود قبل السواد، ونحن لم نر الجسم الأسود خاليًا من السواد الذي هو فيه، ولا رأينا السواد قط عاريًا من الجسم، بل لا تجوز رؤيته، لأن المرئيات إنما هي الأجسام الملونة، ولا تدرك الألوان خالية من الأجسام ولا الأجسام غير ملونة. ولم نرد بالأسود ها هنا جسمًا سُود بحضرتنا، بل ما شوهد كذلك من الأجسام. وكذلك القول في الأبيض والأحمر وما أشبه ذلك.
ومنها أنا نعلم أن الذكر في المرتبة مقدم على الأنثى، ونحن لم نشاهد العالم خاليًا من أحدهما ثم حدث بعده الآخر إلا ما وقفنا عليه بالخبر الصادق من سبق خلق الذكر الأنثى في خلق آدم وحواء ﵉، وأما في غيرهما فكذلك إن علم بخبرٍ صادق الإخبار بقدم كل واحد منهما صاحبه، فكذلك قوله في الكلام والإعراب، يقول إن الإعراب في الاستحقاق داخل على الكلام لما توجبه مرتبة كل واحد منهما في المعقول، وإن كانا لم يوجدا مفترقين.
ونظير ذلك أنا نقول: إن الأسماء قبل الأفعال، لأن الأفعال أحداث للأسماء، ولم توجد الأسماء زمانًا ينطق بها ثم نطق بالأفعال بعدها، بل نطق بهما معًا، ولكل حقه ومرتبته. وقد أجاز بعض الناس أن تكون العرب نطقت أولًا
1 / 68