وَجُمْلَةُ الْمَعْنَى فِيهِ مِنْ جِهَةِ وَصْفِ الْغُرْبَةِ مَا ظَهَرَ بِالْعِيَانِ وَالْمُشَاهَدَةِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَآخِرِهِ:
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَفِي جَاهِلِيَّةٍ جَهْلَاءَ، لَا تَعْرِفُ مِنَ الْحَقِّ رَسْمًا، وَلَا تُقِيمُ بِهِ فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ حُكْمًا، بَلْ كَانَتْ تَنْتَحِلُ مَا وَجَدَتْ عَلَيْهِ آبَاءَهَا، وَمَا اسْتَحْسَنَهُ أَسْلَافُهَا، مِنَ الْآرَاءِ الْمُنْحَرِفَةِ، وَالنِّحَلِ الْمُخْتَرَعَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الْمُبْتَدَعَةِ.
فَحِينَ قَامَ فِيهِمْ ﷺ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَسُرْعَانَ مَا عَارَضُوا مَعْرُوفَهُ بِالنُّكْرِ، وَغَيَّرُوا فِي وَجْهِ صَوَابِهِ بِالْإِفْكِ، وَنَسَبُوا إِلَيْهِ إِذْ خَالَفَهُمْ فِي الشِّرْعَةِ وَنَابَذَهُمْ فِي النِّحْلَةِ كُلَّ مُحَالٍ، وَرَمَوْهُ بِأَنْوَاعِ الْبُهْتَانِ، فَتَارَةً يَرْمُونَهُ بِالْكَذِبِ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، الَّذِي لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ قَطُّ خَبَرًا بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ، وَآوِنَةً يَتَّهِمُونَهُ بِالسِّحْرِ وَفِي عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا مِمَّنْ يَدَّعِيهِ، وَكَرَّةً يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ بِكَمَالِ عَقْلِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ وَخَبَلِهِ.
1 / 23