ـ[الاعتبار]ـ
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: ٥٨٤هـ)
حرره: فيليب حتي، د. ف.
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
अज्ञात पृष्ठ
الباب الأول
حروب وأسفار
قتال الإفرنج
معركة قنسرين ولم يكن القتل في ذلك المصاف في المسلمين كثيرًا. وكان وصل من الإمام الراشد بن المسترشد رحمهما الله، ابن بشر رسولًا إلى أتابك يستدعيه. فحضر ذلك المصاف وعليه جو شن مذهب، فطعنه فارس من الإفرنج، يقال له ابن الدقيق، في
1 / 1
صدره اخرج الرمح من ظهره ﵀، بل قتل من الإفرنج خلق كثير.
وأمر أتابك ﵀، فجمعت رؤوسهم في حقل مقابل الحصن، فكانت قدر ثلاثة آلاف رأس ثم إن ملك الروم عاد خرج إلى البلاد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، واتفق هو والإفرنج خذلهم الله، واجمعوا على قصد شيزر ومنازلتها. فقال لي صلاح الدين ماترى ما فعله هذا الولد المثكل "؟ يعني ابنه شهاب الدين احمد قلت " وأي شيء فعل "؟ قال " أنفذ إلي يقول أبصر من يتولى بلدك ". قلت وأي شيء عملت قال " نفذت إلى أتابك أقول تسلم موضعك ". قلت " بئس ما فعلت "! أما يقول لك أتابك لما كانت لحمًا أكلها، ولما صارت عظمًا رماها علي "؟ قال " فأي شيء أعمل "؟ قلت أنا جالس فيها. فإن سلم الله تعلى كان بسعادتك، ويكون وجهك ابيض عند صاحبك. وإن اخذ الموضع وقتلنا كان بآجالنا، وأنت معذور " قال " ما قال لي هذا القول أحد غيرك " وتوهمت أنه يفعل ذلك، فحفلت الغنم والدقيق الكثير والسمن وما يحتاجه المحاصر، فأنا في داري المغرب ورسوله جاءني قال " يقول لك صلاح الدين نحن بعد غدٍ سائرون إلى الموصل فاعمل شغلك للمسير ". فورد على قلبي من هذا هم عظيم وقلت " اترك أولادي واخوتي وأهلي في الحصار وأسير إلى الموصل "؟ فأصبحت ركبت إليه وهو في
1 / 2
الخيام استأذنته في الرواح إلى شيزر لاحضر لي نفقة ومالًا نحتاج إليه في الطريق. فأذن وقال " لاتبطىء "، فركبت ومضيت إلى شيزر، فبدا منه ما أوحش قلبي، وعرك ابني فنازل، فنفذ إلى داري فرفع كل مافيها من الخيام والسلاح والرحل وقبض على أمر أحبتي وتتبع أصحابي فكانت نكبة كبيرة رائعة.
1 / 3
أسامة في دمشق
(١١٣٨ - ١١٤٤ م)
فاقتضت الحال مسيري إلى دمشق، ورسل أتابك تتردد في طلبي إلى صاحب دمشق فأقمت فيها ثماني سنين، وشهدت فيها عدة حروب، واجزل لي صاحبها العطية والإقطاع وميزني بالتقريب والإكرام يضاف ذلك إلى اشتمال الأمير معين الدين رحمة الله علي وملازمتي له ورعايته لأسبابي. ثم جرت أسباب أوجبت مسيري إلى مصر، فضاع من حوائج داري وسلاحي مالم أقدر على حمله، فرطت في أملاكي ما كان نكبة أخرى. كل ذلك والأمير معين الدين ﵀ محسن مجمل كثير التأسف على مفارقتي مقرّ بالعجز عن أمري، حتى انه انفذ إلي كاتبه الحاجب محمود المسترشدي ﵀ قال " والله لو أن معي نصف الناس لضربت بهم النصف الأخر، ولو أن معي ثلثهم لضربت بهم الثلثين وما فارقتك. لكن الناس كلهم قد تمالوا علي ومالي بهم طاقة. وحيث كنت فالذي بيننا من المودة على أحسن حاله ". ففي ذلك أقول
1 / 4
معين الدين كم لك طوق منّ ... يحيدي مثل أطواق الحمام
يعبدني لك الإحسان طوعًا ... وفي الإحسان رقٌ للكرام
فصار إلى مودتك انتسابي ... وإن كنت العظامي العصامي
ألم تعلم بأني لانتمائي ... إليك رمى سوادي كل رام
ولولا أنت لم يصحب شماسي ... لقسر دون إعذارالحسام
ولكن خفت من نار الأعادي ... عليك فكنت إطفاء الضرام
1 / 5
أسامة في مصر
(١١٤٤ - ١١٥٤م)
ثورة في الجيش المصري
فكان وصولي إلى مصر يوم الخميس الثاني من جمادى الآخر سنة تسع وثلاثين وخمس مائة. فأقرني الحافظ لدين الله ساعة وصولي، فخلع علي بين يديه، ودفع لي تخت ثياب ومائه دينار وخولني دخول الحمام، وأنزلني في دار من دور الأفضل بن أمير الجيوش في غاية الحسن وفيها بسطها وفراشها ومرتبة كبيرة آلتها من النحاس، كل ذلك لا يستعاد منه شيء، وأقمت بها مدة إقامة في إكرام واحترام وإنعام متواصل وإقطاع زاج. فوقع بين السودان، وهم في خلق عظيم، شر وخلف بين الريحانية، وهم عبيد الحافظ، وبين الجيوشية والإسكندرية والفرحية، فكان الريحانية في جانب، وهؤلاء كلهم في جانب متفقين على الريحانية وانضاف إلى الجيوشية قوم من صبيان الخاص. فاجتمع من الفريقين خلق عظيم، وغاب عنهم الحافظ، وترددت إليهم رسله، وحرص
1 / 6
على إن يصلح بينهم. فما أجابوا إلى ذلك، وهم معه في جانب البلد، فأصبحوا التقوا في القاهرة فاستظهرت الجيوشية أصحابها على الريحانية فقتلت منهم في سويقة وأمير الجيوش ألف رجل حتى سدوا السويقة ونحن نبيت ونصبح بالسلاح خوفًا من ميلهم علينا، فقد كانوا فعلوا ذلك قبل طلوعي إلى مصر.
وظن الناس لما قتل الريحانية أن الحافظ ينكر ذلك ويوقع بقاتليهم، وكان مريضًا على شفى، فمات ﵀ بعد يومين، وما انتطح فيها عنزان.
خروج ابن السلار على الظافر
وجلس بعده الظافر بأمر الله وهو أصغر أولاده، واستوزر نجم الدين بن مصال وكان شيخًا كبيرًا. والأمير سيف الدين أبو الحسن علي بن السلار ﵀ إذ ذاك في ولايته، فحشد وجمع وسار إلى القاهرة ونفذ إلى داره. فجمع الظافر بأمر الله الأمراء في مجلس الوزارة، ونفذ إلينا زمام القصور يقول " يا أمراء هذا نجم الدين وزيري ونائبي، فمن كان يطيعني فليطعه ويتمثل أمره " فقال الأمراء " نحن مماليك مولانا سامعون مطيعون ". فرجع الزمام بهذا الجواب.
فقال أمير من الأمراء شيخ يقال له لكرون " ياأمراء، نترك علي بن السلار يقتل "؟ قالوا " لا والله ". قال " فقوموا ". فنفروا كلهم وخرجوا من القصر شدوا على خيلهم وبغالهم وخرجوا إلى معونة سيف الدين بن السلار فلما رأى الظافر ذلك وغلب عن دفعه أعطى نجم الدين بن مصال مالًا كثيرًا وقال " اخرج إلى الحوف، واجمع واحشد وانفق فيهم وادفع ابن السلار " فخرج لذلك.
1 / 7
ودخل ابن السلار القاهرة ودخل دار الوزارة، واتفق الجند على طاعته وأحسن إليهم، وأمرني أن أبيت أنا وأصحابي في داره، وافرد لي موضعًا في الدار أكون فيه. وابن مصال في الحوف قد جمع من لواته ومن جند مصر ومن السودان والعربان خلقًا كثيرًا. وقد خرج عباس ركن الدين، وهو ابن امرأة على بن السلار، ضرب خيمة في ظاهر مصر، فغدت سرية من لواته ومعهم نسيب لابن مصال وقصدوا مخيم عباس، فانهزم عنه جماعة من المصريين، ووقف هو وغلمانه ومن صبر معه من الجند ليلة مخايستهم.
وبلغ الخبر إلى ابن السلار فاستدعاني في الليل وأنا معه في الدار، وقال " هؤلاء الكلاب (يعني جند مصر) قد شغلوا الأمير (يعني عباسًا) بالفوارغ، حتى عدا إليه قوم من لواتة سباحة، فانهزموا عنه ودخل بعضهم إلى بيوتهم بالقاهرة، والأمير مواقفهم ". قلت " يا مولاي، نركب إليهم في سحر، وما يضحي النهار إلا وقد فرغنا منهم، إن شاء الله تعالى ". قال " صواب أبكر في ركوبك ". فخرجنا إليهم من بكرة وفلم يسلم منهم إلا من سبحت به فرسه في النيل، وأخذ نسيب بن مصال وضرب رقبته.
هزيمة ابن مصال
وجمع العسكر مع عباس وسيره إلى ابن مصال، على دلاص فكسرهم وقتل ابن مصال وقتل من السودان وغيرهم سبعة عشر ألف رجل، وحملوا رأس ابن مصال إلى القاهرة، ولم يبق لسيف الدين من تعانده ولا تشاققه.
وخلع عليه الظافر خلع الوزارة ولقبه الملك العادل، وتولى الأمور.
1 / 8
الخليفة يكيد لوزيره الجديد
كل ذلك والظافر منحرف عنه، مضمر له الشر. فعمل على قتله وقرر مع جماعة من صبيان الخاص وغيرهم ممن استمالهم وانفق فيهم أن يهجموا داره ويقتلوه وكان شهر رمضان، والقوم قد اجتمعوا في دار بالقرب من دار الملك العادل ينتظرون توسط الليل وافترق أصحاب العادل، وأنا تلك اليله عنده. فلما فرغ الناس من العشاء وافترقوا، وقد بلغه الخبر من بعض المعاملين عليه، احضر رجلين من غلمانه وأمرهم ان يهجموا عليهم في الدار التي هم فيها مجتمعون. وكانت الدار، لما أراده الله من سلامة بعضهم، لها بابانالواحد قريب من دار العادل والآخر بعيد. فهجمت الفرقة الواحدة من الباب القريب قبل وصول أصحابهم إلى الباب لآخر فانهزموا وخرجوا من ذالك الباب. وجاءني منهم في الليل من صبيان الخاص نحو عشرة رجال كانوا أصدقاء غلماني نخبوءهم. وأصبح البلد فيه الطلب لأولئك المنهزمين، ومن ظفر بهم قُتل.
أسامة يخلص زنجيًا
وعجيب ما رأيت في ذلك اليوم أن رجلًا من السودان الذين كانوا في العملة انهزم إلى علو داري والرجال بالسيوف خلفه، فأشرف على القاعة من ارتفاع عظيم. وفي الدار شجرة نبق كبيرة، فقفز من السطح إلى تلك الشجرة فثبت عليها، ثم نزل ودخل من كم مجلس قريب منه فوطئ على منارة نحاس فكسرها ودخل إلى خلف رحل في المجلس اختبى فيه. وشرف أولئك الذين كانوا خلفه، فصحت عليهم وأطلعت إليهم
1 / 9
الغلمان دفعوهم، ودخلت الى ذلك الاسود فنزع كساء كان عليه وقال (خذه لك) . قلت (اكثر الله خيرك ما احتاجه)، واخرجته وسريت معه قوما من غلماني فنجا.
مزور التوقيع تضرب رقبته
وجلست في ضفة في دهليز داري، فدخل علي شاب سلم وجلس، فرأيته حسن المحاضرة، هو يتحدث وإنسان استدعاه فمضى معه ونفذت خلفه غلامًا يبصر لماذا استدعى. وكنت بالقرب من دار العادل، فساعة ما حضر ذلك الشاب بين يدي العادل أمر بضرب رقبته فقتل وعاد الغلام، وقد استخبر عن ذنبه، فقيل له (كان يزور التواقيع) . فسبحان مقدر الأعمار ومؤقت الآجال. وقُتل في الفتنة جماعة من المصريين والسودان.
أسامة بمهمة حربية لدى نور الدين
تقدم إلى الملك العادل ﵀، بالتجهيز للمسير إلى الملك العادل نور الدين ﵀، وقال " تأخذ معك مالًا وتمضي إليه لينازل طبرية، ويشغل الفرنج عنا لنخرج من ها هنا نخرب غزة ". وكان الإفرنج خذلهم الله قد شرعوا في عمارة غزة ليحاصروا عسقلان قلت " يا مولاي، فإن اعتذر أو كان له من الأشغال ما يعوقه أي شيء تأمرني "؟ قال " إن نزل على طبرية، فأعطه المال الذي معك وإن كان له مانع، فديون من قدرت عليه من الجند وأطلع إلى عسقلان أقم بها في قتال الإفرنج، واكتب إلي بوصلك لآمرك بما تعمل ".
ودفع إلي ستة آلاف دينار مصرية، وحمل جمل ثياب
1 / 10
دبيقي وسقلاطون ومسنجب دمياطي وعمائم. ورتب معي قوما من العرب أدلاء وسرت وقد أزاح علة سفري بكل ما أحتاجه من كثير وقليل.
فلما دنونا من الجفر لي الادلاء " هذا مكان لا يكاد يخلو من الإفرنج ". فأمرت اثنين من الأدلاء ركبا مهرين وسارا قدامنا إلى الجفر. فما لبثا أن عادا والمهاري تطير بهما، وقالا " الفرنج على الجفر "! فوقفت وجمعت الجمال التي عليها ثقلي ورفاقا من السفارة كانوا معي وردتهم إلى الغرب. وندبت ستة فوارس من مماليكي وقلت " تقدمونا، وأنا في إثركم " فساروا يركضون وأنا أسير خلفهم، فعاد إلي واحد منهم وقال " ماعلى الجفر أحد، ولعلهم أبصروا عربانًا ". وتنازع هو الأدلاء، فنفذت من رد الجمال وسرت. فلما وصلت الجفر، وفيه مياه وعشب وشجر، فقام من ذلك العشب رجل علية ثوب أسود فأخذناه، وتفرق أصحابي فأخذوا رجلًا آخر وامرأتين وصبيانًا فجاءت امرأة منهن مسكت ثوبي وقالت " يا شيخي أنا في حسبك ". قلت " قلت " أنت آمنة مالك "؟
قالت قد أخذ أصحابك لي ثوبًا وناهقًا ونابحًا وخرزه قلت لغلماني من أخذ شيئًا يرده
1 / 11
فأحضر غلاما قطعه كساء لعلها طول ذراعين. قالت هذا الثوب. وأحضر آخر قطعه سند روس. قالت هذه الخرزة قلت فالحمار والكلب قالوا الحمار قد ربطوا يديه ورجليه، وهو مرمي في العشب، والكلب مفلوت يعدو من مكان إلى مكان فجمعتهم ورأيت بهم من الضر أمرًا عظيمًاقد يبست جلودهم على عظامهم قلت أيش أنتم؟ قالوا نحن من بني أُبي وبنو أبي فرقة من العرب من طيء لا يأكلون إلى الميتة ويقولون نحن خير العرب، ما فينا مجذوم ولا أبرص ولا زمن ولاأعمى. وإذا نزل بهم الضيف ذبحوا له وأطعموه من غير طعامهم. قلت ما جاء بكم إلى ها هنا؟ قالوا لنا بجسمى كثول ذرة مطمورة جئنا نأخذها. قلت وكم لكم علينا. من عيد رمضان لنا ها هنا، ما رأينا الزاد بأعيننا. قلت فمن أين تعيشون قالوا من الرمة يعنون العظام الباليه الملقاة ندقها ونعمل عليها الماء وورق القطف شجر بتلك الأرض ونتقوت به قلتفكلابكم وحمركم؟ قالوا الكلاب نطعمهم من عيشنا، والحمر تأكل الحشيش. قلت فلم لا دخلتم إلى دمشق؟ قالوا خفنا الوباء ولا وباء أعظم مما كانوا فيه! وكان ذلك بعد عيد الأضحى. فوقفت حتى جاء الجمال، وأعطيتهم من الزاد الذي كان معنا. وقطعت فوطة كانت على رأسي أعطيتها للمرأتين، فكادت عقولهم تزول من فرحهم بالزاد وقلت لا تقيموا ها هنا يسبوكم الإفرنج
1 / 12
فطنة دليل
ومن طريف ما جرى لي في الطريق إنني نزلت ليلة أصلي المغرب والعشاء قصرًا وجمعًا، وسارت الجمال فوقفت على رفعة من الأرض وقلت للغلمانتفرقوا في طلب الجمال، وعودوا إلي، فأنا ما أزول من مكاني فتفرقوا وركضوا كذا وكذا فما رأوهم، فعادوا كلهم إلي وقالواما لقيناهم، ولا ندري كيف مضوا فقلتنستعين بالله تعالى ونسير على النوء فسرنا ونحن قد أشرفنا من انفردنا عن الجمال في البرية على أمر صعب. وفي الادلاء رجل يقال له جزية فيه يقظة وفطنه، فلما استبطأنا علم أنا قد تهنا عنهم، فأخرج قداحة وجعل يقدح وهو على الجمل، والشرار من الزند يتفرق كذا وكذا فرأيناه على البعد فقصدنا النار حتى لحقناهم، ولولا لطف الله وما ألهمه ذلك الرجل كنا هلكنا.
خرج المال يضيع
ومما جرى لي في تلك الطريق أن الملك العادل ﵀ قال لي لاتعلم الأدلاء الذين معك بالمال فجعلت أربعة آلاف دينار في خرج على بغل سروجي مجنوب معي وسلمته إلى غلام وجعلت ألفي دينار ونفقه لي وسر فسار دنانير مغربية في خرج على حصان مجنوب معي سلمته إلى غلام، فكنت إذ نزلت جعلت الإخراج في وسط بساط، وردت طرفيه عليها، وبسطت فوقه بساطًا أخرًا، وأنام على الاخراج وأقوم وقت الرحيل قبل أصحابي. يجيء الغلمان اللذان معهما الخراجان
1 / 13
فيتسلمانهما، فإذا شداهما على الجنائب ركبت وأيقظت أصحابي تهممنا بالرحيل. فنزلنا ليله في تيه بني إسرائيل، فلما قمت جاء الغلام الذي معه البغل المجنوب أخذ الخرج وطرحه على وركي البغل ودار يريد يشده بالسموط، فزل البغل وخرج يركض وعليه الخرج، فركبت حصاني، وقد قدمه الركابي، وقلت لواحد من غلماني أركب أركب. وركضت خلف البغل فما لحقته وهو كأنه حمار وحش، وحصاني قد أعيي من الطريق ولحقني الغلام، فقلت اتبع البغل كذا فمضى وقال والله يا مولاي ما رأيت البغل، ولقيت هذا الخرج قد شلته. فقلت للخرج كنت أطلب، والبغل أهون مفقود. ورجعت إلى المنزلة وإذا البغل قد جاء يركض دخل في طوالة الخيل ووقف فكأنه ماكان قصده ألا تضييع أربعة آلاف دينار.
مقابلة نور الدين
ووصلنا في طريقنا إلى بصرى فوجدنا الملك العادل نور الدين ﵀ على دمشق. وقد وصل إلى بصرى الأمير أسد الدين شيركوه ﵀ فسرت معه إلى العسكر، فوصلته ليله الاثنين وأصبحت تحدثت مع نور الدين بما جئت به، فقال لي يا فلان، أهل دمشق أعداء والإفرنج أعداء، ما آمن منهما إذا دخلت بينهما. قلت له فتأذن لي أن أديون من محرومي الجند قومًا آخذهم وارجع، وتنفذ معي رجلًا من أصحابك في ثلاثين فارسًا ليكون الاسم لك. قال افعل فديونت إلى الاثنين الآخر ثماني مائة وستين فارسًا وأخذتهم
1 / 14
وسرت في وسط البلاد الإفرنج ننزل بالبوق ونرحل بالبوق.
الشق في مسجد الرقيم
وسير معي نور الدين الأمير عين الدولة اليارقي في ثلثين فارسًا فاجتزت في طريقي بالكهف والرقيم فنزلت فيه ودخلت صليت في المسجد ولم أدخل في ذلك المضيق الذي فيه. فجاء أمير من الأتراك الذين كانوا معي يقال له برشك يريد الدخول في ذلك الشق الضيق. قلت أي شيء تعمل في هذا؟ صل برا قال لاإله إلا الله، أنا حرام إذا ادخل في ذلك الشق الضيق قلت أي شيء تقول، قال هذا الموضع لا يدخل فيه ولد زنا - ما يستطيع الدخول. فأوجب قوله أن قمت دخلت في ذلك الموضع صليت وخرجت وأنا الله يعلم - ما اصدق ما قاله، وجاء أكثر العسكر فدخلوا وصلوا. ومعي في الجند براق الزبيدي معه عبد له أسود دين كثير الصلاة، أدق ما يكون من الرجال أذنبهم. فجاء إلى ذلك الموضع، وحرص بكل حرص على الدخول، فما قدر يدخل فبكى المسكين وتوجع وتحسر، وعاد بعد الغلبة عن الدخول.
موقعة مع الإفرنج في عسقلان
فلما وصلنا عسقلان سحر، ووضعنا أثقالنا عند المصلى، صبحونا كذا الإفرنج عند طلوع الشمس، فخرج إلينا ناصر الدولة ياقوت والي عسقلان، فقالارفعوا ارفعوا أثقالكم قلت تخاف لا يغلبونا الإفرنج عليها قال نعم قلتلاتخف هم يرونا في البريه
1 / 15
ويعارضونا إلى أن وصلنا عسقلان ما خفناهم نخافهم الآن ونحن عندى مدينتنا؟ ثم أن الإفرنج وقفوا على بعد ساعة، ثم رجعوا إلى بلادهم جمعوا لنا وجاؤنا بالفارس والراجل والخيم يريدون منازله عسقلان، فخرجنا إليهم، وقد خرج راجل عسقلان، فدرت على سرب الرجالة وقلتيا صاحبنا ارجعوا إلى سوركم ودعونا وإياهم، فإن نصرنا عليهم فأنتم تلحقونا، وإن نصروا علينا كنتم أنتم سالمين عند سوركم فامتنعوا من الرجوع فتركتهم ومضيت إلى الإفرنج، وقد حطوا خيامهم ليضربوها فاحتطنا بهم وعجلنا هم عن طي خيامهم فرموها كما هي منشوره وساروا راجعين. فلما انفسحوا عن البلد تبعهم من الطفوليين أقوام ما عندهم منعة ولاغناء. فرجع الإفرنج حملوا على أولئك فقتلوامنهم نفرًا فانهزمت الرجالة الذين رددتهم فما رجعوا ورموا تراسهم. ولقينا الإفرنج فرددناهم ومضوا عائدين إلى بلادهم وهي قريبه من عسقلان. وعاد الذين انهزموا من الرجالة يتلاومون، وقالوا كان ابن منقذ أخبر منا. قال لنا ارجعوا ما فعلنا حتى انهزمنا وافتضحنا.
موقعة أخرى في بيت جبريل
وكان أخي عز الدولة أبو الحسن علي ﵀ في جمله من سار معي من دمشق هو وأصحابه إلى عسقلان. وكان ﵀ من الفرسان المسلمين يقاتل للدين لا الدنيا. فخرجنا يوما من عسقلان نريد الغارة
1 / 16
على بيت جبريل وقتالها فوصلنا وقاتلناهم. ورأيت عند رجوعنا على البلدة غلة كبيره، فوقفت في أصحابي وقد حنا نارًا وطرحناها في البيادر وصرنا ننتقل من موضع إلى موضع، ومضى العسكر تقدمني. فاجتمع الإفرنج لعنهم الله من تلك الحصون، وهي كلها متقاربة وفيها خيل كثيره للإفرنج لمغاداة عسقلان ومراوحتها وخرجوا على أصحابنا.
فجاءني فارس منهم يركض وقالقد جاء الإفرنج! فسرت إلى صاحبنا وقد وصلهم أوائل الفرنج وهم لعنهم الله، أكبر الناس احترازًا في الحرب فصعدوا على الرابية وقفوا عليها. وصعدنا نحن على الرابية مقابلهم وبين الرابيتين فضاء، أصحابنا المنقطعون وأصحاب الجنائب عبروا تحتهم، لا ينزل إليهم منهم فارس خوفًا من كمين أو مكيدة، ولو نزلوا أخذوهم عن أخرهم نحن مقابلهم في قلة، وعسكرنا قد تقدمنا منهزمين. ومازال الإفرنج وقوفا على تلك الرابية إلى أن انقطع عبور أصحابنا ساروا إلينا فاندفعنا بين أيديهم والقتال بيننا لايجدون في طلبنا، ومن وقع أخذوه ثم عادوا عنا. وقدر الله سبحانه لنا بالسلامة باحترازهم. ولو كنا في عددهم ونصرنا عليهم كما نصروا كنا أفنيناهم.
مهاجمة يبنى
فأقمت بعسقلان لمحاربة الفرنج أربعة أشهر هجمنا فيها مدينة يبنى وقتلنا فيها نحو مائة نفس أخذنا منها أسارى.
مقتل أخي أسامه
وجاءني بعد هذه المدة كتاب الملك العادل ﵀ يستدعيني
1 / 17
فسرت إلى مصر وبقي أخي عز الدولة أبو الحسن علي ﵀ بعسقلان. فخرج عسكرها إلى قتال غزة فأستشهد ﵀، وكان من علماء المسلمين وفرسانهم وعبادهم.
اغتيال ابن السلار
وأما الفتنة التي قتل فيها الملك العادل بن السلار ﵀ فإنه جهز عسكرا إلى بلبيس ومقدمه ابن امرأته ركن الدولة عباس بن أبي الفتوح تميم بن باديس لحفظ البلاد من الإفرنج ومعه ولده ناصر الدين نصر بن عباس ﵀ فأقام مع أبيه في العسكر أيامًا ثم دخل إلى القاهرة بغير إذن من العادل ولا دستور. فأنكر عليه ذلك وأمره بالرجوع إلى العسكر، وهو يظن أنه دخل القاهرة للعب والفرجه وللضجر من مقام العسكر. وابن عباس قد رتب أمره مع الظافر، ورتب معه قوما من غلمانه يهجم بهم على العادل في داره إذ أبرد في دار الحرام ونام فيقتله. وقرر مع أستاذ من أستاذي دار العدل أن يعلمه إذا نام، وصاحبه الدار امرأة العادل جدته، فهو يدخل إليها بغير أستئذان. فلما نام أعلمه ذلك الأستاذ بنومه، فهجم عليه بالبيت الذي هو نائم فيه، ومعه ستة من غلمانه فقتلوه ﵀ وقطع رأسه وحمله الظافر. وذلك في يوم الخميس السادس من المحرم سنه ثمان وأربعين وخمس مائه، وفي دار العادل من مماليكه وأصحاب النوبة نحو من ألف رجل، لكنهم في دار السلام، وهو قتل في دار الحرم فخرجوا من الدار ووقع القتال بينهم وبين أصحاب الظافر وابن عباس إلى أن رفع رأس العادل على الرمح، فساعة رأوه انقسموا فرقتين فرقه
1 / 18
خرجت من باب القاهرة إلى عباس لخدمته وطاعته وفرقه رمت السلاح وجاءوا إلى بين يدي نصر ابن عباس قبلوا الأرض ووقفوا في خدمته.
عباس يتولى الوزارة
وأصبح والده عباس دخل القاهرة وجلس في دار الوزارة، وخلع عليه الظافر وفوض إليه الأمر، وابنه نصر مخالصة ومعاشره، وأبو العباس كاره لذلك مستوحش من ابنه لعلمه بمذهب القوم في ضربهم بعض الناس ببعض حتى يفنوهم ويجوزوا كلما لهم حتى يتفانوا، فأحضراني ليله وهم في خلوه يتعاتبان وعباس يرد عليه الكلام وابنه مطرق كأنه نمر يرد علية بعد كلمة يشتاط منها عباس ويزيد في لومه وتأنيبه. فقلت لعباس يا مولاي الأفضل كم تلوم مولاي ناصر الدين وتوبخه وهو ساكت؟ اجعل الملامة لي، فأنا معه في كل ما يعمله، ما أتبرأ، من خطأة ولا صوابه، أي شيء هو ذنبه؟ ما أساء إلى أحد من أصحابك، ولا فرط في شيء من مالك، ولاقدح في دولتك خاطر بنفسه حتى نلت هذه المنزلة، فما يستوجب منك ألائمه، فأمسك عنه والده ورعى لي ابنه ذلك.
الخليفة يحرش ابن عباس على أبيه
وشرع الظافر مع ابن عباس في حمله على قتل أبيه، ويصير في الوزارة مكانه وواصله بالعطايا الجز يله فحضرته يومًا وقد أرسل إليه عشرين صينية فضه فيها عشرون ألف دينار ثم أغفله أيامًا وحمل إليه من الكسوات من كل نوع وما لا رأيت مثله مجتمعا قبله، وأغفله أيامًا، وبعث إليه خمسين صينية فضه فيها خمسون ألف دينار، وأغفله أيامًا، وبعث إليه ثلاثين بغلا رحلا وأربعين جملا بعددها وغرائرها وحبالها.
1 / 19