الأمان! إما قبلت منا وإما سترت وأمسكت عن أذانا
حتى نخرج عن بلادك راجعين! فأمنه فذكر له حالهم وحال عبد الله بن محمد أرسله أبوه
إليه فرحب بهم وبايعهم، وأنزل عبد الله عنده مختفيًا، ودا كبراء أهل البلد وقواده وأهل
بيته إلى البيعة فأجابوه، فقطع ألويتهم البيض، وهيأ لبسه من البياض ليخطب فيه، وتهيأ
لذلك يوم الخميس، فوصله مرك لطيف فيه رسول من امرأة عمر بن حفص تخبره بقتل محمد
بن عبد الله، فدخل على عبد الله فأخبره وعزاه، فقال له عبد الله: إن أمري قد ظهر
ودمي في عنقك، فقال عمر: قد رأيت رأيًا، ههنا ملك من ملوك السند عظيم الشأن كبير
المملكة، وهو على شوكة أشد تعظيمًا لرسول الله ﷺ، وهو وفي أرسل
إليه وأعقد بينك وبينه عقدًا فأوجهك إليه فلست ترام معه، ففعل ذلك وسار إليه عبد الله
فأكرمه وأظهر بره، وتسللت إليه الزيدية حتى اجتمع معه أربع مائة إنسان من أهل البصائر
فكان يركب فيهم ويتصيد في هيئة الملوك وآلاتهم، فلما انتهى ذلك إلى المنصور بلغ منه ما
بلغ وكتب إلى عمر بن حفص يخبره ما بلغه، فقرأ الكتاب على أهله وقال لهم: إن أقررت
بالقصة عزلني، وإن صرت إليه قتلني، وإن امتنعت حاربني، فقال له رجل منهم: ألق الذنب
علي وخذني وقيدني! فإنه سيكتب في حملي إليه فاحملني! فإنه لا يقدم علي لمكانك في
السند وحال أهل بيتك بالبصرة، فقال عمر: أخاف عليك خلاف ما تظن، قال: إن قتلت
فنفسي فداء لنفسك! فقيده وحبسه وكتب إلى المنصور بأمره، فكتب إليه المنصور يأمره
بحمله، فلما صار إليه ضرب عنقه، ثم استعمل على السند هشام بن عمرو التغلبي وأمر أن
يكاتب ذلك الملك بتسليم عبد الله بن محمد، فسار هشام إلى السند فملكها وكره أخذ
عبد الله بن محمد وأقبل يرى الناس أنه يكاتب ذلك الملك، واتصلت الأخبار بالمنصور
بذلك فجعل يكتب إليه يستحثه، فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببلاد السند فوجه
هشام أخاه سفيحًا فخرج في جيشه وطريقه بجنبات ذلك الملك، فبينا هو يسير إذ غبرة
قد ارتفعت فظن أنهم مقدمة العدو الذي يقصده، فوجه طلائعه فزحفت إليه فقالوا: هذا
عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على شاطىء مهران! فمضى يريده فقال نصحاؤه: هذا ابن
رسول الله ﷺ! وقد تركه أخوك متعمدًا مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده،
فقال: ما كنت لأدع أخذه ولا أدع أحدًا يحظى بأخذه أو قتله عند المنصور، وكان عبد
الله في عشرة فقصده فقاتله عبد الله وقاتل أصحابه حتى قتل وقتلوا جميعًا فلم يفلت منهم
مخبر وسقط عبد الله ببين القتلى فلم يشعر به، وقيل: إن أصحابه قذفوه في مهران حتى لا
يحمل رأسه، فكتب هشام بذلك إلى المنصور فكتب إليه المنصور يشكره ويأمره بمحاربة
ذلك الملك، فحاربه حتى ظفر به وقتله وغلب على مملكته.
وكان عبد الله قد اتخذ سراري فأولد واحدة منهن ولدًا وهو محمد بن عبد الله الذي
يقال له: ابن الأشتر، فأخذ هشام السراري والولد معهن فسيرهن إلى المنصور، فسير
المنصور الولد إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله، وكان ذلك
سنة إحدى وخمسين ومائة كما في الكامل.
عبد الملك بن شهاب المسمعي
سيره المهدي بن المنصور العباسي إلى بلاد الهند سنة تسع وخمسين ومائة وفرض مه
لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد وأشخصهم معه ومن المطوعة الذين كانوا يلزمون
المرابطات ألفًا وخمس مائة رجل، ووجه معه قائدًا من أبناء أهل الشام يقال له، ابن الحباب
المذحجي، في سبع مائة من أهل الشام، وخرج معه من مطوعة أهل البصرة بأموالهم ألف
رجل فيهم فيما ذكر الربيع بن صبيح، ومن
1 / 46