عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه خطب خطبة التوحيد فقال: (الحمدلله الذي لا من شيء كان، ولا من شيء كون ما كان، يستشهد بحدوث الأشياء على قدمه، وبما وسمها من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولا له شبح مثال فيوصف بكيفية، ولم يغب عن شيء فيعلم بحيثية، مباين لجميع ما جرى في الصفات، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات، لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تدركه الأبصار لجلاله، ولا تقطعه المقاييس، ممتنع من الأوهام والأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمتثله، تشتت عن الإنبساط طوامح العقول، ونفدت عن الإشارة إليه بحار العلوم، واحد لا من عدد، دايم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباح، ضلت العقول في إدراكه، وتحيرت الأوهام عن استغراق وصف قدرته، فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به، قد خضعت له رواية الصفات فتشهد بكيفية الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبحدوثها على قدمه، وبزوالها على بقائه، فليس لها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج عن الإحاطة بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان صنعه له آية، وبتركيب الخلق عليه دلالة، وبحدوث ما فطر على قدمه له شهادة، وبإحكام التدبير منه عليه عبرة، فليس له حد منسوب، ولا مثل مضروب، ولا شيء عنه محجوب، فتعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا).
पृष्ठ 11