ومن المكفرات أيضًا أن يرضى بالكفر ولو ضمنًا كأن يسأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة الإسلام فلا يفعل، أو يقول له: اصبر حتى أفرغ من شغلي أو خطبتي لو كان خطيبًا، أو كأن يشير عليه بأن لا يسلم وإن لم يكن طالبًا للإسلام فيما يظهر، وكلام الحليمي الآتي قريبًا قد يدل على أن إشارته عليه بأن لا يسلم إذا كانت لكونه عدوه فيشير عليه بما يكرهه، وهو الكفر، ويمنعه عما يحبه وهو الإسلام لم يكفر، وفيه نظر، والذي يظهر أنه يكفر بذلك، وإن قصد ما ذكر بأنه كان متسببًا في بقائه على الكفر، وليست هذه كمسألة الحليمي الآتية خلافًا لما توهمه؛ لأن تلك فيها مجرد تمنٍ فقط. وهذه فيها تسبب إلى البقاء على الكفر أو يشير على مسلم بأن يرتد، وإن كان مريدًا للردة، كما هو ظاهر، أو يكرهه على الكفر على الأصح أو يطلب منه أو من كافر الكفر كما صرح به الإمام حيث قال في يهودي تنصر: ففي قول يطالب بالإسلام، أو العود إلى ما كان عليه، والتعبير عن هذا القول يحتاج إلا تأنق، فلا ينبغي أن يقال هو مطالب بالإسلام أو بالعود إلى التهود فإن طلب الكفر كفر. انتهى.
بخلاف ما لو قال لمسلم: سلبه الله الإيمان، أو لكافر: لا رزقه الله الإيمان، فإنه لا يكون كفرًا على الأصح، لأنه ليس رضًا بالكفر، وإنما هو دعاء عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه.
هذا ما ذكره الشيخان، وأنت خبير من قولهما: لأنه ليس رضًا بالكفر إلى آخره أن محل ذلك ما إذا لم يذكر ذلك رضًا بالكفر وإلا كفر قطعًا، والذي يظهر من فحوى كلامهما أنه لو أطلق، ولم يقله على جهة الرضا بالكفر، ولا على جهة تشديد العقوبة عليه لا يكون كافرًا وهو ظاهر.
ولو رضي كافر بالإسلام أو أكره كافرًا آخر عليه أو عزم عليه في المستقبل لم يكن بذلك مسلمًا، ويفرق بما مر في العزم على الكفر والعزم على فعل كبيرة.
وليس من الرضا بالكفر أن يدخل دار الحرب ويشرب معهم الخمر ويأكل لحم الخنزير؛ إذ ارتكاب كبائر المحرمات ليس كفرًا ولا ينسلب بها
1 / 100