इब्राहिम थानी
إبراهيم الثاني
शैलियों
قالت: «ما أملى؟ الزواج على ما أظن؟ ومن يتزوجنى؟ ولماذا يتزوجنى أحد؟ جمالى؟ مالى؟ مقامى؟ أسرتى العظيمة؟ لا يا سيدى إنى أعرف أنى قصيرة العمر. وقد فتحت لى عينى فأشكرك، ولكنك مطالب الان بأن تغمض لى عينى كما كانت، أو تسمح لى بأن أحبك».
فلاطفها ولاينها وسايرها قليلا ليعدل بها إلى الطريق الأقوم فما ازدادت على ذلك إلا صلابة وعنادا. وأنذرته أنها جنت وأنها إذا ظل على تمنعه ستلقى بنفسها على أول رجل تصادفه، ففزع، فقد رأى من لهجتها الجادة ما أخافه وأقنعه أنها لا تمزح. وأيقن أن هذا الجنون ثمرة الكبت الطويل. وحار ماذا يصنع، واستمهلها دقائق ليفكر. فضحكت وتهكمت وقالت: «لابد أن يكون كل شىء بالمنطق.. كل شىء لابد أن يوزن ويقاس..». ثم قالت جادة: «الآن اقتنعت أنك لا تستطيع أن تحب امرأة. إنك آلة مفكرة لا إنسان من دم ولحم». وثارت حتى لأشفق عليها وعالجها، حتى فاءت إلى السكينة.
وخطر له أنه ليس من المروءة - ولا من العدل - أن يمضى فى المقاومة فإنها تكون صدمة مخوفة العاقبة. وبدا له أن من الحكمة أن يأخذها باللين ولا بأس من قبلة أو قبلات. وفى وسعه أن يسعدها بالقليل الذى لا ضير منه وفيه راحتها وسكونها. وحدث نفسه أن من حق هذه الفتاة أن تسعد قليلا، وغالط نفسه فقال إن جهده معها سيكون جهد الطبيب المعالج. ولكن ماذا يقول لتحية؟ يكتم؟ فبأى وجه يلقاها وهو يطوى عنها هذا السر؟ يكذب؟ إن الكذب نقص فى الرجولة وغض من المروءة.. يصارحها؟ ولكن كيف يصارحها؟ وكيف يرجو أن تطيق هذا وتصبر عليه؟ إنها واسعة الصدر كريم النفس ولكن هذا ما توصد دونه أبواب الغفران. وبأى شىء يعتذر لها؟ يلقى التبعة على عايدة ويزعم أنها هى التى أغرته وأبت إلا هذا وأنها مريضة ولابد من مسايرتها؟ ما شاء الله! ما أكبر هذه الرجولة!. ثم إن هذا ليس بصحيح. نعم إنها فاجأته بهذا، ولكن أصح من ذلك أنه هو الذى رغب فى صحبتها وهو الذى جرها إلى هذا الموقف، وكانت قبل ذلك بعيدة غير معنية به فلم يزل بها حتى صار (عادة) لها. وشعر فى قرارة نفسه أن حب هذه الفتاة يسره ويغره، ومن هذا الذى لا يسره أن تحبه فتاة جميلة كهذه؟ ولكن هل هى تحبه؟ أليست لعلها مخدوعة؟ ألا يمكن أن يكون الأمر كما وصفه لها نشوة طارئة ليس إلا؟ ولكنه هو على كل حال مصدر النشوة وباعثها.. أتراها لو كانت تعرف غيره من الرجال أكانت تخصه بهذا الحب كائنة ما كانت حقيقته؟ وتحية؟ أليست قد شجعته ويسرت له الاتصال بعايدة؟ وما معنى هذا؟ هل أريد أن أحملها التبعة؟ هل أعد حرصها على سرورى ذنبا لها، وثقتها بى واطمئنانها إلى عقلى خطأ منها؟
كان هذا كله وما يشبهه يدور بنفسه وهو يحنو على عايدة، ويلثم فمها وهى متعلقة برقبته كأنما تريد أن تخلعها، أو تخاف أن يطير من يديها. وأحس بحرارة الصبى فى شفتيها. وحدث نفسه أن هذه الحرارة العجيبة لا يجدها - الآن - من شفتى تحية. واستهجن هذه المقارنة، وأنف أن يجعل تحية موضعا لها ثم عاد عقله يقول له ولم لا؟ أين الزراية بتحية فى هذه المقارنة؟ ولماذا هذا الغض من عايدة؟ إنها ليست سوقية، ولقد قبلت تحية قبلة الحب وقبلتنى مثلها قبل زواجنا، فما الفرق؟ ولكنى تزوجت تحية ولست أنوى - ولا عايدة تنتظر - أن أتزوجها. هذا هو الفرق.
3
وكان يتعجب لعايدة وزهدها فى الزواج، ويتساءل: «أتراها خاب لها أمل؟». وقد عرف من تحية أن هذه الفتاة شقية بأختها. وأدرك أن أمها ضعيفة، وأن قيادها سلس فى يد بنتها الكبرى، وأنها لعلها تحب عايدة كحبها لتلك، ولكن تلك لها عليها سلطان ليس لعايدة. غير أن هذا ليس حقيقا أن ينفر عايدة من الزواج، وإن إحساسها الجنسى لقوى، وإنه ليبدو أقوى فيها منه فى الفتيات الأخريات المطمئنات.
وخطر له أن لعل قلة اطمئنانها وكثرة قلقها واضطرابها يثيران إحساسها الجنسى، أو يخيلان إليها أن إرضاءه - على نحو ما - هو علاجها مما تكابد، ولكن ماذا تكابد غير ذلك؟
وذكرت مرة ابن عم لها بلهجة واشية بالمرارة، فسألها: «لم أكن أعلم أن لك ابن عم؟ فأين هو؟»
قالت: «انقطعت الصلة مذ تزوج».
فسألها: «لماذا يقطعها أنه تزوج؟»
अज्ञात पृष्ठ