Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
प्रकाशक
دار الفكر العربي
إليه أن يتوجه على البريد إلى مصر، والشيخ رضى الله عنه كعادته يواجه الأمور، ولا يتردد في مواجهتها، وإنه الشجاع في الرأي والميدان معاً، فما تلكأ عن الذهاب، ولكن نائب السلطنة يعلم ما يبيت له في مصر، وأنه في الشام في عزة من أتباعه وأنصاره، ومكانته عند الوالي، ولذلك أشار عليه بألا يذهب إلى مصر، وقال أنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا، ولكنه رضى الله عنه يأبى، وليس ذلك عن جهل بما يدبر له، فهو الحصيف الأريب الذي يعلم ما وراء الأمور من ظاهرها، ولكنه علم أن ذهابه إلى مصر فيه نفع للعامة، وفيه نشر لآرائه، وهي في رأيه آراء السلف الصالح في ربوع الديار المصرية، وإنه صاحب فكرة يدعو إليها كلما مست الحاجة إلى ذلك، وإذا كان أهل مصر ليس فيها أتباع له، فعليه أن يوجد الأتباع، وإن كان الاضطهاد يلاحقه فله في الرسول أسوة حسنة فقد لقي الاضطهاد في دعوته ما يسهل على الداعي إلى الخير المقتدي به كل أذى، وإذا كان في الشام نال التكريم. فلينل في مصر نقيضه، وليكن هذا زكاة ذاك، وفوق هذا وذاك هو العالم الثبت الذي يحس بقوة حجته، وأنه سينال بعون الله الكرامة لا المهانة، ولذلك أجاب الوالي إجابة المطمئن الواثق بقوله: ((إن في ذهابه مصلحة كبيرة ومصالح كثيرة(١)، تجمعت الجموع لوداعه. فودعته هالعة باكية، وودعها واثقاً مطمئناً راجياً.
٦٠- سار الشيخ إلى مصر وكان ذلك سنة ٧٠٥، وحيثما حل كان نوراً وهداية، فعندما مر بغزة عقد في جامعها مجلساً كبيراً، وألقى درساً من دروسه الحكيمة، فتعلقت به واستمر يغذ السير معتمداً على الله العزيز العليم، حتى دخل مصر، ووصل إلى القاهرة، وقد دخلها مستعيناً بربه معتزماً نشر المعرفة والنور فيها. وقد كان خصومه يعدون العدة لاستقباله، وقد أعدوها، وأحكموا تدبيرها. فقد التقوا به في مجلس عقد بالقلعة، اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة. وأراد
(١) ابن كثير جـ ١٤ ص ٣٨.
55