105

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

प्रकाशक

دار الفكر العربي

والزندقة، وهو المؤمن الصابر، والقادر الشاكر، وهذا أقصى مراتب الإخلاص ودرجاته.

١١٢- الصفة السادسة فصاحته وقدرته البيانية، فقد كان رحمه الله خطيبًا مصقعًا تهتز له أعواد المنابر، وجمع له الله سبحانه وتعالى بين فصاحة اللسان وفصاحة القلم، فكان مع قدرته الخطابية كاتبًا تجري الحقائق على شباة بنانه، كما تجري الألفاظ الجلية البينة على لسانه؛ بما يعجز غيره عن كتابة مثله بالتروية والإمعان أياما.

ويظهر أن هذه الفصاحة وراثية في أسرته فقد كان أبوه متكلمًا مجيدًا، وكان من أجداده الخطباء وتولى أحدهم الخطبة في جامع بغداد، وقد قوى تلك القدرة البيانية في تقي الدين كثرة ترديده وقراءته وحفظه للسنة النبوية بعد حفظ كتاب الله سبحانه، فإن ذلك أمده بطائفة كبيرة من الألفاظ الجيدة المنتقاة فوق أن كثرة المعارك البيانية، أرهفت قواه وعودته القول الارتجالي به والانتصار بالحجة من غير تحضير وتهيئة، فإنه حفظ كل شيء قبل أن يتكلم أو يجادل أو يناظر.

١١٣- الصفة السابعة الشجاعة: ومعها صفتان أخريان من جنسها، وهما الصبر وقوة الاحتمال، والشجاعة بعد استقلال الفكر أوضح ما تميز به ابن تيمية عن علماء عصره، فقد عهد الناس في عصره العلماء عاكفين على القراءة قد أنحلتهم المقاعد، تراخت عليها عضلاتهم ومفاصلهم، يرون قوة العالم كلها في فكره ورأسه فهو من الأمة رأسها لا عضلاتها ولا قوتها البدنية، إنما قوتها البدنية للجند فهم الذين يغضبون لها، ولعل ذلك أتى إليهم من الفلسفة الهندية وديانة الهنود، إذ كانوا يرون قوة الأمة من الجند، وأنهم خلفوا من سواعد برهما في زعمهم، والبراهمة أي العلماء كانوا من رأسه في زعمهم.

هذا ما كان عليه علماء المسلمين في عصر ابن تيمية، ولذلك لما بلغهم أن التتار قد أغارت عليهم بركبها ورجلها، وقضها وقضيضها فروا هاربين إلى مصر مع من

104