54

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

प्रकाशक

دار الفكر العربي

٥٧- وهناك نذكر أمراً لا بد من ذكره، وهو أن الشيخ رحمه الله ورضي الله عنه كان في خلقه ولسانه حدة، ويظهر أنه كان يتبرم في بعض الأحوال باعتراضهم، وإثارتهم اللغط حول قول قاله، ورأي حرره، فكان يجري على لسانه ألفاظ عنيفة من مثل قوله هذا من الجهل، أو هذا من عدم الفهم، وأولئك علماء لهم أسنان، ولم يكن هو في مثل سنهم، إذ أنه في وقت هذه الحوادث، وتلك المجادلات لم يكن قد تجاوز الرابعة والأربعين، فإن ذلك كان ابتداؤه سنة ٧٠٥، وهم كانوا أسن من ذلك، ومنهم من كان في شيخوخة، فيكبر ذلك عليهم وعلى أتباعهم.

ولقد نقلنا في ماضي قولنا أن الذهبي قال فيه: ((تعتريه حدة في البحث، وغضب، وصدمة للخصوم تزرع له عداوة في النفوس، ولولا ذلك لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلمه، معترفون بأنه بحر لا ساحل له، وكنز ليس له نظير)).

فهذه الحدة في البحث أوجدت له أعداء، ولسنا نقول مقالة الذهبي كما نوهنا إنه لولا هذه الحدة لكان محل إجماع، بل نقول إن هذه الحدة لم توجد الخلاف، بل الخلاف بينه وبين غيره كان أمراً لا بد منه، وحسدهم له فيما أحسب كان أمراً لا بد منه، ولكن الذي اختصت الحدة بإيجاده، وكانت العامل الوحيد في ظهوره هو العداوة الظاهرة، وإرادة الأذى من غير حريجة مانعة، فقد يكون لهم من دينهم ما يمنعهم من إيذائه أو تعريضه للأذى، وإن أكل الحسد قلوبهم، ولكن إن بادرهم بالقول العنيف سهلت عليهم الرغبة في الإيذاء، لأن قانون الدفاع عن النفس يسوغه، وينتقل الأمر من جدل وخلاف إلى خصومة يكيدون فيها، وينتصرون لأنفسهم التي جرحها بقوله.

53