32

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

प्रकाशक

دار الفكر العربي

فكان له موافقون وأكثرهم من تلاميذه ومريديه، أى من الجيل الذى يليه، فقد وجد فيهم النفوس الخصبة التى تتقبل ذلك التجديد بإعادة الإسلام قشيباً غضاً كما بدأ. ورأى فيهم النور الذى يضىء الأجيال القابلة، وكذلك كل مصلح يريد بعث الأفكار من رقودها، والعزائم من خمودها يتجه إلى الشباب فيبث فيهم تعاليمه، فإن الغد هو يومهم، فإذا ألقى فيهم قوله، فهو منير الحاضر والقابل.

وإذا كان تلاميذه قد وافقوه فقد خالفه كثيرون غيرهم، ومنهم من ضاق صدره حرجاً بقوله، ومنهم من خالفه وقال: مجتهد يخطىء ويصيب، خالفه فى بعض ما يقول غير مكفر ولا مؤثم.

وعلى ذلك نقول إن الناس فى تلقى كلامه قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام، فريق شايعه وناصره، وفريق قاومه ونازله، ومنهم من كفره، وفريق خالفه، ومن هذا الفريق من وافقه فى بعض ما قاله وخالفه فى بعضه، ولقد قال الأولون فيه مقالة الخير، ورفعوه إلى أعلى مراتب الاجتهاد، وغالى الفريق الثانى فى مذمته، وكان الآخرون بين هؤلاء وأولئك، ولذلك لم يرض عنهم الفريقان.

ولقد قال الذهبى فى ذلك، وهو من الفريق الثالث ((ومن خالطه وعرفه قد ينسبنى إلى التقصير فيه، ومن نابذه وخالفه قد ينسبنى إلى التغالى فيه، وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده.. وأنا لا أعتقد فيه عصمة، بل أنا مخالف له فى مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين - بشراً من البشر، تعتريه حدة فى البحث، وغضب وصدمة للخصوم تزرع له عداوة فى النفوس، ولولا ذلك لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بحر لا ساحل له، وكنز ليس له نظير، ولكنهم ينقمون عليه أخلاقاً وأفعالا، وكل يؤخذ من قوله ويترك)).

٣٦- هذه أقسام الناس بالنسبة لأقواله كما وصف الحال مؤرخ من أكبر مؤرخى الإسلام ومعاصر يتحرى الدقة، وإنه ينسب مخالفة مخالفيه ومنابذتهم له، ورميه بالخروج إلى حدة خلقه، وعنف قوله، وصدمه للخصوم، ولعله قد كان

31