115

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

प्रकाशक

دار الفكر العربي

ولمنزلة آل قدامة في دمشق من جهة ثانية، فقد أنشأوا مدرسة بها، وكان يُلقى فيها الفقه الحنبلي والحديث.

وإنه وقد تلقاه، لا بد أن يؤثر فيه من ناحيتين: (إحداهما) دراسة فقه السلف دراسة عميقة، فإن ذلك الكتاب الجليل تجلى فيه آراء فقهاء الصحابة، وآراء فقهاء التابعين، وما أخذه كل إمام من الأئمة منها، فلا بد أن يكون طالب فقه السلف المشغوف به تقي الدين قد تأثر بتلك الطريقة، ثم نماها وزاد عليها وبنى منها بناء فقهياً قائماً بذاته، وذلك إلى أن المذهب الحنبلي في ذاته مذهب يعتمد على أقوال الصحابة وأقوال التابعين فضل اعتماد.

(الأمر الثاني) أن ذلك الكتاب القيم أوعز إليه أن يدرس فقه الإسلام كله من ينابيعه الأولى، وقد اتجه ذلك الاتجاه، فدرس الفقه الإسلامي غير متقيد بمذهب من المذاهب، وقد دونت المذاهب بأدلتها، وشرحت شرحاً مستفيضاً، ونقدت نقداً صحيحاً، ولا بد أنه قرأ كتب الطحاوي المقارنة وكتب الخصاف، وكتب الحصيري، وكتب السرخسي، في المذهب الحنفي، والأم ومختصر المزني، والمهذب للشيرازي، والمجموع للنووي، والوجيز للغزالي، وغيرها من الكتب في المذهب الشافعي، ولا بد أنه قرأ ما كتبه ابن رشد الكبير وابن رشد الحفيد في الفقه المالكي، وغيرها من الكتب في هذا الفقه، وهذه الكتب وغيرها فيها الفقه مبسوط موضح بأدلته، وفيها الاستناد إلى مذاهب الصحابة، وفيها آراء التابعين، فأضاف ذلك إلى ما علم من علوم الحديث والآثار.

ثم إنه قرأ ما كتب في الأصول، وهي موسوعات مبسوطة في أصول الاستدلال، ومنهاج الاستنباط، ثم إن احتكاكه بالشيعة غاليهم ومعتدلهم جعله لا محالة ينهل من مواردهم، وإنك ترى أن إفتاءه في الطلاق المقترن بالعدد لفظاً وإشارة، وجعله باطلاً أو جعله واحدة هو من آرائهم، فلا بد أنه قرأ كتبهم، ولم يمنعه رأيه في غلاتهم من أن يقبل خير ما عندهم، ويدرسه دراسة الفاحص الباحث

114