इब्न सुल्तान
ابن السلطان: وقصص أخرى
शैलियों
قلت: تماما.
وامتد بنا الحديث عن التماسيح التي تسبح في النيل، والجمال التي تركض في شوارع القاهرة، والحريم اللائي يعشن في قصر السلطان. ويبدو أن الحديث كان مسليا للغاية؛ فسرعان ما اجتذب رواد الحانة. تقدمت أولا سيدة عجوز فاستأذنت في مشاركتنا، ثم أقبل طالب قال إنه يدرس التاريخ القديم بالجامعة، وتبعه رجل مبتور الذراع قال إنه كان يحارب مع روميل في الصحراء، حتى أوشك رواد الحانة أن يلتفوا حولي وأنا أطلب كأسا وراء كأس، وأستعين بكل ما بقي في رأسي مما قاله معلم التاريخ. ومع السمر الطويل ينسى الإنسان الزمن. وقد نسيت نفسي والتفت فجأة إلى دقات الساعة وهي تعلن الواحدة. وانتزعت نفسي من الجمع المتحلق حولي وأنا أعدهم بأن أعود مرة أخرى. وسرت أستقبل هواء الليل البارد، وأهرع نحو كل عابر أجده صدفة في طريقي لأسأله عن البيت الذي سكنت فيه اليوم لأول مرة. ورحت أترنم بأغنية جاءت على بالي ، وأستعيد شعور الزهو الذي يجري مع الدم الحار في عروقي، وأقلب كلمات الأغنية وألحانها رأسا على عقب! ووجدتني أخيرا أقف أمام الباب، وأطابق الرقم على العنوان المكتوب في ورقة معي. ومددت يدي أدير مقبض الباب، غير أنه لم يفتح. إذن فهم يوصدون الأبواب هنا بالمفاتيح. ماذا أفعل يا ترى والريح باردة. والثلج قد يسقط بين لحظة وأخرى؟ ورحت أبحث بين الأسماء المكتوبة على الباب عن اسم الهر إرنست ووضعت يدي على الجرس. ورن الصوت في البيت كله كأنه إنذار رهيب. لكن أحدا لا يفتح. إذن فلأضغط عليه مرة أخرى. وانفتحت النافذة في الطابق العلوي، أطل منها رأس رأيت الشعر الأبيض الذي يجلله على ضوء مصباح الطريق: هالو. - هالو. - من؟ - أنا يا مدام. - فيلهلم؟! - فيلهلم من؟ - متى عدت يا حبيبي؟ الآن! - نعم. الآن فقط، آسف لأنني تأخرت. - فيلهلم، فيلهلم. فيلهلم عاد يا إرنست. ألم أقل لك؟
استعنت بالكلمات القليلة التي أعرفها من اللغة الألمانية، وقلت: أنا محمود يا مدام!
ولكنها كانت قد اختفت من النافذة، وهبت علي نسمة باردة فارتجفت مفاصلي. ورفعت رأسي إلى السماء فوجدت القمر يختنق بين أكوام السحب الداكنة. وعاد الرأس الذي تجلله الشعرات البيض يطل من النافذة: هالو.
قلت: هالو يا مدام!
ورن الصوت الخافت على أرض الشارع: بابا صحا من نومه، سينزل إليك حالا يا حبيبي.
وأحكمت ياقة المعطف حول رقبتي. وعاد الصوت يقول: فيلهلم. فيلهلم، هل عدت الآن يا حبيبي؟ في قطار الليل؟ لم لم ترسل برقية لننتظرك على المحطة؟
لم أكد أفهم شيئا مما تقول. وانطلق الصوت من جديد: كنت أعرف أنك ستعود. قلبي حدثني بهذا. لم ينسك. لن ينسك أبدا. كل يوم أنتظر أن تعود. كل ليلة إلى جانب النافذة. أنتظر لأسمع يدك وهي تعبث بالمفتاح. أنتظر أن تدخل علي وتقبلني وتقول لي: مساء الخير يا أمي. أنتظر بلا عشاء حتى تأتي في آخر الليل.
قلت في نفسي هي تهرف بشيء لا يعنيني. ربما فاضت بها الذكريات فانطلقت تتحدث عن شيء لا أفهمه . وتجمع تعب النهار وسهر الليل فأسندت رأسي إلى الحائط. وهبت علي نسمة باردة فارتعشت؛ وعاد الصوت يتدفق من جديد بكلام لا أدريه: الدنيا برد يا حبيبي؟ كيف كنت تعيش إذن في سيبريا؟ آه! سيبريا بعيدة. بعيدة في آخر الدنيا. هكذا قال لي أبوك. البرد والليل. الليل والوحدة. وأنت والجنود. وحدكم في الثلج. لم أرسلوك إلى سيبريا؟ ما شأننا نحن وسيبريا؟ اللعنة على البنادق والجنرالات. آه يا فيلهلم! زمن أسود. هذا ما كنت أقوله دائما. زمن أسود. وحرب سوداء. وناس قلوبهم سود. فيلهلم، يبدو أنني كنت قد استغرقت في حلم مخيف صحوت منه على هذا النداء. فضحكت وقلت: فيلهلم من يا مدام؟ - فيلهلم ولدي. - يا مدام أنا محمود! - ماذا تقول؟ ألست أنت فيلهلم؟ - لا أنا فيلهلم ولا أعرفه! - ألم تعد الآن من سيبريا؟ - سيبريا؟ أنا عائد من الحانة! - مستحيل؛ صوتك، وجهك، عودك، أنت فيلهلم، فيلهلم. - يا مدام أنا محمود، أقسم لك! - محمود؟! ما هذا؟!
وبدأ الثلج ينهال على رأسي. ونتف كأنها حبات من القطن تتعلق بمعطفي: يا مدام الدنيا برد! افتحي الباب!
अज्ञात पृष्ठ