وإذا قوبل بين هذا الرأي وبين رأي ابن رشد فيما يلي، بدا أن المشابهة بينهما أكبر من مشابهة المصادفة والاتفاق. وقد نقلت فلسفة ابن رشد والمناقشات فيها إلى اللغة اللاتينية، فليس من البعيد أن يكون دافيد هيوم قد اطلع على شيء منها في الترجمات اللاتينية، ويتعزز هذا الظن إذا أضفنا إلى الكلام في المعجزة كلامه في الأسباب، وقد كان الكلام في الأسباب موضع مناقشة بين ابن رشد والغزالي، ترجمت كلها إلى اللاتينية.
أما رأي ابن رشد في المعجزة فخلاصته: (1)
أن وسيلة العارف إلى الإيمان بصدق النبي هي معرفة الحق في دعوته، وليست هي رؤية الخوارق. (2)
أن المعجزة ممكنة؛ لأن قدرة الله على عمل يعجز عنه الإنسان أمر لا ينكره مؤمن بالله. (3)
أن المعجزة مقنعة على اعتبار أن المشاهد لها يرى أنها عمل لا يقدر عليه غير الإله، فلا بد له إذن من الإيمان بالله قبل الإيمان بالإعجاز. (4)
أن الإسلام لم تكن من حجته المعجزات، بل كانت معجزته آيات القرآن الكريم، وفيه يقول تعالى:
وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون .
وهذا هو نص كلامه من كتاب «الكشف عن مناهج الأدلة»: ... ذلك أنه ليس يصح تصديقنا للذي ادعى الرسالة عن الملك إلا متى علمنا أن تلك العلامة التي ظهرت عليه هي علامة الرسل للملك، وذلك ما يقول الملك لأهل طاعته: إن من رأيتم عليه علامة كذا من علاماتي المختصة بي فهو رسول من عندي. أو بأن يعرف من عادة الملك ألا تظهر تلك العلامات إلا على رسله. وإذا كان هذا هكذا فلقائل أن يقول: من أين يظهر أن ظهور المعجزات على أيدي بعض الناس هي العلامات الخاصة بالرسل؟ فإنه لا يخلو أن يدرك ذلك بالشرع أو بالعقل، ومحال أن يدرك هذا بالشرع؛ لأن الشرع لم يثبت بعد، والعقل أيضا ليس ممكنه أن يحكم أن هذه العلامة هي خاصة بالرسل، إلا أن يكون قد أدرك وجودها مرات كثيرة للقوم الذين يعترف برسالتهم، ولم تظهر على أيدي سواهم.
وذلك أن ثبوت الرسالة ينبني على مقدمتين: إحداهما أن هذا المدعي الرسالة ظهرت على يديه المعجزة، والثانية أن كل ما ظهرت على يديه معجزة فهو نبي، فيتولد من ذلك بالضرورة أن هذا نبي.
فأما المقدمة القائلة: إن هذا المدعي الرسالة ظهرت عليه معجزة، فلنا أن نقول: إن هذه المقدمة تؤخذ من الحس، بعد أن نسلم أن هاهنا أفعالا تظهر على أيدي المخلوقين نقطع قطعا أنها ليست تستفاد لا بصناعة غريبة من الصانع، ولا بخاصة من الخواص، وأن ما يظهر من ذلك ليس تخيلا.
अज्ञात पृष्ठ