इब्न रूमी
ابن الرومي: حياته من شعره
शैलियों
فمن جهة هو في زمنه الذي لم يخلق لغيره، ومن جهة هو في الزمن الوحيد الذي لم يخلق له، ولم يتزود له بآلة: ابن الرومي الشاعر في عصر الحياة والإحساس والدراسة والموالي فهو بخير، وابن الرومي الرجل في عصر الدهاء والخبث والصراع الجهنمي، فهو بشر ما يكون عليه مثله، ولا سبيل إلى الافتراق بين الشخصين، ولا سبيل كذلك إلى التوفيق بينهما على حال!
لو كان ابن الرومي شاعرا وشيئا آخر لكان قمينا أن يرضى بعصره، وأن يرضى به عصره، لو كان شاعرا ورجلا يحسن الخوض في معترك العيش بين تلك الفتن والمغامرات لاتقى بعض الإخفاق على الأقل، وارتجى بعض النجاح، لكنه كان شاعرا وحسب، ولم يكن له زاد آخر غير السليقة الفنية! فجنى الشاعر على الرجل، ولم يسعد الشاعر بما جناه. ومن هناك ذلك التفاوت بين نصيب شعره ونصيب شخصه، وذلك الخطأ في تقدير مكانه وسمعته؛ فهو خامل وليس بخامل، وهو نابه وليس له نصيب النباهة! شعره نافق، وقائل الشعر كاسد، وربما عابوا شعره في حياته وأكثروا من عيبه، ولكنك بيسير من النظر قد ترى أنهم لم يقصدوا بالعيب الشعر كما قصدوا القائل وإن كان في الشعر ما يعاب!
فالذين سبق إليهم أن ابن الرومي كان مجهول القدر في حياته وبعد مماته، إنما نظروا إلى إحدى صفحتيه ولم ينظروا إلى الصفحة الأخرى؛ إنما كان خمول الرجل أنه لم ينتفع بمعرفة الناس إياه لا أنه لم يعرف، وربما كان له خمول آخر؛ وهو أنه لم يعرف بأحسن مزاياه، أما أنه قد عرف، فذلك حق لا شك فيه.
وقد ازداد الناس معرفة به بعد موته كما اتفق كثيرا لمعظم الأدباء والعلماء؛ فقال العميدي - صاحب الإبانة، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة - وهو يذكر المتنبي: «ولا أقيسه في امتداد النفس، وعلم اللغة، والاقتدار على ضروب الكلام وتصوير المعاني العجيبة، والتشبيهات الغريبة، والحكم البارعة، والآداب الواسعة بابن الرومي.» وقال ابن رشيق - صاحب العمدة، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة: «أكثر المولدين اختراعا وتوليدا فيما يقول الحذاق أبو تمام وابن الرومي.» وقال ابن سعيد المغربي - المتوفى سنة ثلاث وسبعين وستمائة - في كتابه عنوان المرقصات والمطربات: «ويقولون: إنه أحق الناس باسم شاعر لكثرة اختراعه وحسن توليده.» وذكر وفاته ابن الأثير - المتوفى سنة ثلاثين وستمائة - فقال: «إن ديوانه معروف.» أي أن هذا الديوان كان متداولا في أيدي الأدباء إلى أيامه، ونظر إلى معانيه كثير من فحول الشعراء والأدباء منهم: المتنبي، وبديع الزمان، والمعري، والشريف، وشاعت مختاراته في كتب الأدب، فلم يخل منه إلا قليل.
أما أخباره فقد عني بكتابتها وروايتها اثنان من أدباء عصره؛ وهما: عبيد الله بن المسيب، وأبو عثمان الناجم، وثالث هو أحمد بن عمار، قال ابن المسيب: إنه لما مات ابن الرومي «عمل كتابا في تفضيله ومختار شعره، وجلس يمليه على الناس».
ويظهر أن أبا عثمان سعيد بن هاشم الخالدي، من أدباء القرن الرابع، توسع في ترجمته إما في كتابه حماسة المحدثين، أو في كتاب مقصور عليه، ولكن أخباره هذه ذهبت كلها، ولم يبق منها أثر إلا متفرقات في الكتب لا تغني في ترجمة وافية، ولا شبيهة بالوافية، وهي على قلتها لا يسعنا إغفالها، ولا يسعنا كذلك أن نعتمد عليها ونقبلها على علاتها.
فنحن ننقلها كما هي فيما يلي، ثم نعقب عليها ونستخرج منها ما في الوسع أن نستخرجه من ترجمة للرجل تدل عليه، وتستحضر للذهن صورة لعبقريته، ومثلنا في ذلك كمثل المنقبين في المحفورات إذ يعثرون ببعض العظام المهشمة من جسم مدثور، فهم يقيسون المفقود على الموجود، ويضنون بما وجدوه على الضياع ولو لم يكن به قوام.
أخبار ابن الرومي
ولد ابن الرومي - كما جاء في ابن خلكان - يوم الأربعاء بعد طلوع الفجر لليلتين خلتا من رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين ببغداد، في الموضع المعروف بالعقيقة ودرب الختلية في دار بإزاء قصر عيسى بن جعفر بن المنصور.
وبحثنا كثيرا في الكتب التي عثرنا على شيء من أخباره فيها، فلم نجد ذكرا لأبويه وأهله، ولا لأيام حداثته وتعليمه، وانقطعت أخباره في هذه الفترة، فلم تقع لنا إلا النوادر التي رويت عنه، وهو شاعر لا تعرف سنه إلا بالنظر إلى تواريخ الوقائع التي وردت في شعره، فجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي أثناء الكلام على أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار: ... ووجدت في كتاب ألفه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن المسيب الكاتب في أخبار ابن الرومي، وكان ابن المسيب هذا صديقا لابن الرومي وخليطا له قال: كان أحمد بن محمد بن عبيد الله بن عمار - هكذا قال في نسبه بتقديم محمد علي عبيد الله - صديقا لابن الرومي كثير الملازمة له، وكان ابن الرومي يعمل له الأشعار وينحله إياها يستعطف بها من يصحبه، وكان ابن عمار محدودا فقيرا وقاعة في الأحرار، وكان أيام افتقاره شديد السخط لما تجري به الأقدار في آناء الليل والنهار، حتى عرف بذلك، فقال له علي بن العباس بن الرومي يوما: يا أبا العباس، قد سميتك العزير، قال له: وكيف وقعت لي على هذا الاسم؟ قال: لأن العزير خاصم ربه بأن أسال من دماء بني إسرائيل على يدي بختنصر سبعين ألف دم، فأوحى الله: لئن لم تترك مجابهتي في قضائي لأمحونك من ديوان النبوة! وقال فيه:
अज्ञात पृष्ठ