इब्न रूमी
ابن الرومي: حياته من شعره
शैलियों
وابن الرومي كان مر بك من هذه الجماعة، فمذهبه في الدين ينفره من ابن الجهم، ولا يرغبه في مجاراته ولو تشابها فيما عدا ذلك من المزاج والنزعة. لقد يهون هذا الفارق ويسهل على ابن الرومي الإغضاء عنه وهو ناشئ يتلمس القدوة، ويخطو في سبيل الشهرة، ولكنك تقرأ شعر ابن الجهم في فخره ومزاحه، فيخيل إليك أنك تقرأ كلام جندي يتنفج أو يعربد؛ لخلوه من كل عاطفة غير عواطف الجند الذين يقضون أوقاتهم بين الفخر والضجيج واللهو والسكر، وليس بين هذه الطبيعة وطبيعة ابن الرومي مسرب للقدوة، أو للمقاربة في الميل والإحساس، ولا كان في شعر ابن الجهم شيء يشعر مثل ابن الرومي أنه يقتدي به ويحتاج إلى مجاراته، فيميل به هذا الشعور إلى الإعجاب بالشاعر الذي أبعده عنه المذهب والمزاج. •••
وقد ولد ابن المعتز في سنة سبع وأربعين ومائتين، فلما أيفع وبلغ السن التي يقول فيها الشعر، كان ابن الرومي قد جاوز الأربعين أو ضرب في حدود الخمسين، ولما نبغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الأدباء كان ابن الرومي قد أوفى على الستين، وفرغ من التعلم والاقتباس، ولو انعكس الأمر وكان ابن المعتز هو السابق في الميلاد لما أخذ منه ابن الرومي شيئا، أو لكان أفسد سليقته بالأخذ عنه؛ لأن ابن المعتز إنما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث، وهي: البديع والتوشيح، والتشبيه بالتحف والنفائس، وابن الرومي لم يرزق نصيبا معدودا من هذه المزايا، ولم يكن قط من أصحاب البديع وأصحاب التوشيح، أو أصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف، وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبهات.
ويجوز أن الشاعرين لم يتعارفا ولم يتلاقيا في مجلس؛ لأن ابن الرومي كان قليل الغشيان جدا للمجالس التي كان يحضرها الخلفاء وولاة العهود، فضلا عن تفاوت السن والخطة، وفضلا عن سبب آخر قد يكون من موانع اللقاء بينهما، وهو أن ابن الرومي هجا المعتز ومدح المستعين حين تنازعا الخلافة وتقاتلا عليها، وكان ابن الرومي من حزب المستعين؛ لأن بغداد كانت معه، وهي وطن ابن الرومي، ومحمد بن عبد الله بن طاهر كان ينصر المستعين، وهو يومئذ أكبر ممدوحيه، ونحن نذكر هذا السبب الأخير للإحاطة به ولا نعيره كبير التفات؛ لأن ابن المعتز كان طفلا رضيعا حين تقاتل أبوه وعمه، ولا يحتمل كثيرا أنه وعى بعد ذلك كل ما قاله ابن الرومي في تلك الأيام.
ممدوحوه
لابن الرومي ممدوحون كثيرون يزيدون على الأربعين، يطول بنا البحث ولا ننتهي إلى غرض يفيدنا فيما نحن فيه لو أننا أجملنا تواريخهم إجمالا سريعا، بله التفصيل والإنعام، ولو كان للمدح في زمن ابن الرومي بواعث نفسية غير طلب العطاء لوجب أن نعنى بتراجم الأشخاص الذين حركوا في نفس الشاعر تلك البواعث، واستحقوا منه إكباره وثناءه؛ لأن العناية بتراجمهم في هذه الحالة عناية بالشاعر نفسه، وبواعث نظمه، ومعايير وصفه وثنائه، ولكن الشعراء كانوا يمدحون ولا يقصدون من المدح إلا الإرضاء والتفنن في معاني التعظيم، فمن العبث أن نحصي هنا تراجم لا تزيدنا علما بالشاعر، وليس العلم بها لذاتها مقصودا في هذا المقام، وحسبنا أن نلم بتاريخ الأسرتين اللتين خصهما الشاعر بمعظم مدائحه، وكانت له صلة طويلة بهما، وعلاقات مذكورة في ترجمة حياته، وهما أسرة آل طاهر وأسرة آل وهب، وكلاهما من أكبر الأسر التي عرفت في تاريخ الوزارة والقيادة في الدولة العباسية. •••
فآل طاهر أسرة قديمة تنتسب إلى أمراء الفرس الأولين، ويذكر منها في عالم الحرب والأدب والنجدة أفراد كثيرون، وأول من نبغ منها واشتهر في عهد بني العباس: طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان. أسلم جده رزيق على يد عبيد الله طلحة الطلحات الخزاعي، والي سجستان، فنسب إليه ولقب بالخزاعي لهذا السبب، لا لانتمائه إلى قبيلة خزاعة من جهة النسب.
وقد ولد طاهر بقرية بوشنج من أعمال «مرو» سنة تسع وخمسين ومائة؛ حيث كان جده مصعب واليا يتولى أعمال مرو مع أعمال هراة، ثم كان الخلاف بين الأمين والمأمون، فأبلى طاهر في خدمة المأمون - الفارسي الأم - أحسن بلاء، وأخلص له، ونصح في ولائه وتوطيد ملكه، فولاه خراسان وأطلق يده فيها، فأصبحت دولة طاهرية مستقلة في حكومتها لا تربطها ببغداد إلا خطبة المنبر، وقيل: إن طاهرا قطع الدعاء للخليفة يوما فسمه خادم معه كان موكلا به من قبل المأمون، فأصبح ميتا.
وكانت لآل طاهر مع ولاية خراسان ولاية الشرطة في بغداد، وهي من الولايات النافعة لذوي النفود، فاجتمعت لهم أسباب القوة بين العاصمة وذلك الإقليم الخطير الشأن في حياة الدولة العباسية.
وولد لطاهر ابنه عبد الله، فنشأ في رعاية المأمون نشأة فاضلة، وشابه أباه في النجدة والإقدام، وبذه في الأدب والمروءة. تولى مصر، وأعطاه المأمون مال خراجها وضياعها لسنة، فوهبه كله وفرقه في الناس، ورجع صفرا من ذلك، فغاظ المأمون فعله، فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى، وهي:
نفسي فداؤك والأعناق خاضعة
अज्ञात पृष्ठ