इब्न रूमी
ابن الرومي: حياته من شعره
शैलियों
هذا هو الفرق بين مذهبي هذين الشاعرين اللذين ظهرا في قرن واحد، وأخذا بطرفي الهجاء في الآداب العربية.
ولك أن تقول من جهة أخرى: إن الفرق بينهما كان فرقا بين المذهب البدوي والمذهب الحضري في الهجاء، فقد كان دعبل بدويا نافرا بفطرته، وكان ابن الرومي حضريا أنيسا بفطرته، فإذا تبرم ابن الرومي بالناس، فإنما يتبرم بهم تبرم من يألفهم ويأنس إليهم، ويعاني ما يعاني من عشرتهم، ثم يسخط عليهم؛ لأنه مقيد بهم لا يستطيع الفكاك منهم، فسخطه أساسه المودة والألفة، وليس أساسه القطيعة والنفرة، كما كان السخط في نفس صاحبه دعبل الخارج على الجماعة القاطع الطريق.
ولهذا الفرق أثره في موضوع المثالب التي يلقيها كل منهما على مهجويه، فدعبل يسلب المهجو جميع الفضائل التي تعتز بها النفس الصارمة البدوية، يسلبه النخوة والكرم والبأس، وطيب النحيزة، ويجعله رجلا يسمع البدوي صفاته فيقول: إنه حقير مرذول.
وابن الرومي يسلب مهجوه الفطنة والكياسة والعلم، ويلصق به كل عيوب الحضارة التي يجمعها التبذل والتهالك على اللذات، فإذا حذفت من هجوه كل ما أوجبته الحضارة والخلاعة الفاشية في تلك الحضارة، فقد حذفت منه شر ما فيه، ولم يبق منه إلا ما هو من قبيل الفكاهة والتصوير.
والبدوي يخاف الذم، والحضري قلما يخافه:
فما يرتاح للمدح
ولا يرتاع للشتم
كما قال ابن الرومي في بعض مهجويه. فالإفحاش وليد الحضارة، والغلو في الإفحاش وليد التهتك في الحضارة، ومتى غلا الشاعر في القذف بأدناس التبذل والخلاعة، فهناك عيبان محققان؛ أحدهما - لا شك: عيب البيئة التي أشاعت تلك الأدناس، أو جعلت الذم بها ذما هينا على الأسماع، فلا بد فيه للشاعر من المبالغة والإغراق.
والثاني: تبحث عنه في قائل الهجو ومدمنه؛ فإنه لولا عيب فيه لما اضطر إلى الهجاء، ولا أدمنه وأفرط فيه.
فما هو عيب ابن الرومي، أو ما هي عيوبه التي أولعته بالهجاء والإفحاش، وصيرته عنوانا لزمانه في السفاهة والبذاء؟ يبدو لنا أن عيبه الأول هو الشهوانية والتهالك على اللذات؛ فالشهوانية هي التي هونت عليه الإقذاع، وسوغت له خوض الفضائح، فأوغل فيها غير مستكره ولا متحرج، ثم أعانها الضعف، وهو عيبه الغالب عليه الذي تبدأ منه وترجع إليه جميع عيوبه.
अज्ञात पृष्ठ