وهكذا تبصر أن شمس أورشليم تحرق قلب نبي وتجففه بعد أن كان هذا النبي لا يند عن طريقه في بلاد الجليل الندية. •••
ينسى الفريسيون والصدوقيون تباغضهم فيتفقون ضد عدوهم المشترك، فيتشاورون فيقررون ما يصنعون، ما بدا هذا العدو لهم أخطر مما يتصوره هو وتلاميذه، ويعرف الكهنة طيش أورشليم وخفتها، ويعلمون - أحسن مما يعلم هؤلاء الجليليون - تقلب الجمهور، وحبه للاطلاع، ومحاباته وفتوره، ويراقب الفريسيون الشعب ويخبرهم رسلهم في نواحي البلاد بظهور مذاهب جديدة فيها، وبذيوع تفاسير حديثة للشريعة، فيدركون أنه يمكن رجلا نشيطا ناري القول أن يثير الفتنة، وينشر راية العصيان في أثناء العيد.
يقول الفريسيون: حقا لا تدل مظاهر ذلك النبي على أنه رجل عمل، وليست فيه شعلة يوحنا، ولكنه يعرف كيف يوجه التوراة ضد الكهنة. ومما لا يطاق أن يعمل ذلك جهرا. وحقا أن دخوله الغريب في المدينة من عمل تلاميذه الحمس. وها هو ذا ينسى ما فعله ضد الباعة، غير أن إعلانه في فناء هيكل الرب أن العشارين والزناة والمشركين سيدخلون ملكوت السماوات قبلنا ينطوي على أعظم الأخطار، فيجب إسكات هذا الرجل إذن!
ويقول الفريسيون: لو نعلم ماذا يرى الصدوقيون الهينون أن يصنع تجاه ذلك، أفيكتفون في هذه المرة أيضا بالاستهزاء لا بالعمل؟ وماذا يعمل لتحريك الهيروديين؟ يمكن وصل ما بين طرفي الهوة؛ فمن المعلوم أن أنصار دولة هيرودس ما فتئوا يرجون إحياءها، فيمقتون الرومان مقتهم لأي قديس شعبي، وأن الصدوقيين - وإن كانوا أصدقاء للرومان - أعداء للمسيح، فإذا ما تضافرت أيدي ذينك الفريقين قام بذلك جسر، وقد يكفي لاصطياد ذلك النبي وضع سؤال سياسي له، فإذا كان قوله ضد رومة أقيمت عليه قضية سياسية وقبض عليه الوالي، وإذا جاء قوله مؤيدا للمسيح خاصمه الهيروديون الذين يشعرون اليوم بقوتهم، بعد أن جاء أميرهم هيرودس أمس لحضور عيد الفصح، وليكن السير على مهل!
حل اليوم الثالث، وكان يسوع في الهيكل، فدنا منه شبان أعدهم الفريسيون والهيروديون، فقال له أحدهم بأدب: «يا معلم، نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد؛ لأنك لا تنظر إلي وجوه الناس، فقل لنا: ماذا تظن، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟»
لم يسبق أن شغل يسوع باله في أمور الضرائب ولا في أمر القيصر، فإذا حدث أن أراد عدم دفع الضريبة في كفر ناحوم فلكي يظهر بمظهر ابن ملك قبل أن يدفع، ويذكر يسوع الآن ابن بلده يهوذا الجليلي الذي أوقد نار الفتنة، فكان زعيمها من أجل تأدية جزية إلى الرومان؛ لما رآه من العار في ذلك، ويشعر بما بيت له فيجيب: «لماذا تجربونني يا مراءون؟ أروني معاملة الجزية!»
يعرض عليه دينار روماني، ويظن أنه يزيد هياجا عندما ينظر إلى الصورة المحرمة فيه، ولكنه يسأل: «لمن هذه الصورة والكتابة؟»
فيقولون له: «لقيصر!» «أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!»
كان هذا جواب معلم فصمتوا مرتبكين شاعرين بأنهم أخزوا وهزموا، ويعلم الصدوقيون ذلك فيشمتون بخصومهم الفريسيين ساخرين لا ريب، ويأتي دور الصدوقيين فلا يرون خيرا في غير الهزوء به، أفلم يحدث عن البعث الذي يؤمن به الفريسيون من دونهم؟ فلذلك يسأله الصدوقيون في الهيكل عن سبعة إخوة تزوجوا بالتعاقب امرأة واحدة من غير أن تلد لهم ولدا، ثم تموت هذه المرأة فتلاقي في السماء أزواجها السبعة، فزوجة أيهم تكون في الحياة الآخرة بعد أن كانت زوجة لهم جميعهم في هذه الحياة الدنيا؟ وينتظر الصدوقيون الجواب، وينتظره معهم الجمهور المستمع، وكل جواب عن هذا السؤال سيثير سخرية السامعين ما خص بها واحد من الأزواج السبعة، وظل الستة الآخرون غير أزواج لها.
فاسمع جواب يسوع: «تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؛ لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء، وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، ليس الله إله أموات، بل إله أحياء؛ لأن الجميع عنده أحياء.»
अज्ञात पृष्ठ