Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
प्रकाशक
دار الفكر العربي
प्रकाशक स्थान
القاهرة
وبها، وكانت البساتين والرياض التي جملت المدائن حتى صارت جنة هذه الدنيا، فاهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، وكان فيهم الصناع الذين أقاموا القصور، وشيدوا البنيان، وسهلوا أسباب الحياة فيها، ثم كان فيهم العلماء الذين ورثوا علم الدين، ثم كان معهم من ورثوا حكمة اليونان، وبعثوا فلسفتهم من قبرها وأمدوا بها أوروبا.
وهكذا كان أهل الأندلس ذلك المزيج المختلط ازدهرت به الحضارة، فأحيا الآداب والفنون والعلوم، وأضعف السياسة، حتى رأينا بجوار الانحلال السياسي، وتفرق السلطان بعد الدولة الأموية الأندلسية - الرقي العلمي، ورقي الذوق والفن، وتقدم علوم الصناعة، وعلوم الدين، وعلوم اللسان.
١٢٨ - ولقد كانت اللغة العربية هي التي وحدت ذلك المتفرق، وجمعته في ثقافة فكرية واحدة، ويظهر أن أهل الأندلس كان لسانهم في جملته لساناً فصيحاً. لم تؤثر فيه العجمة، ولقد قال أبو علي القالي الذي وفد إلى الأندلس في عهد عبد الرحمن الناصر في وصف اللغة العربية في الأندلس: ((لما وصلت القيروان وأنا أعتبر من أمر به من أهل الأمصار، فأجدهم درجات في العبارات وقلة الفهم بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد، كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم خاصة، ومقايسة، فقلت إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم فسأحتاج إلى ترجمان في هذه الأوطان. قال ابن بسام: فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق الأندلسي في ذكائهم، ويتغطى عنهم هذه المباحثة والمناقشة، ويقول لهم: ((إن علمي علم رواية، وليس علم دراية فخذوا عني ما نقلت))(١).
وكانت اللغة العربية وعاء تلك الأفكار، وتلك الثمرات، ولم تكن كتاباتهم بلغة العلم الجافة، بل إن المجموعة العلمية التي سجلت في كتب،
(١) نفح الطيب = ٢ ص ١٢٠، والذخيرة ص. المجلد الأول القسم الأول.
107