Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
من أخمل ذكره تلك المنزلة النفسية العالية، فيقول: «طوبى لمن أخمل الله عز وجل ذكره».
ولهذا المعنى الجليل الذي سيطر على نفسه، جعلها خالصة لربه كان يستقل ما يقوم به من عبادات ولا يستكثر ما وقع له من محنة، فكان لا يذكرها، ويستر آثارها ولا يحب أن يعلم الناس ما نزل به، وكان بعيدًا عن الزهو والافتخار، لا يفتخر بعمل قام به، ولا يزهو على أحد بحال هو عليها. قال يحيى بن معين فيه: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبته خمسين سنة، ما افتخر علينا بشيء ما كان فيه من الصلاح والخير»، (١).
وذلك لأنه كان لا يستكثر ما قدم، والنفس اللوامة المؤمنة، تتهم صاحبها بالتقصير ولا تدل على الناس بالعبادة.
٩٢ - الصفة الخامسة التي امتاز بها أحمد، وجعلت لدروسه وكلامه مواقع من نفس سامعيه لا تزول ـ الهيبة، فلقد كان مهيبًا، من غير خوف، وموضع الإجلال والاحترام من غير رهبة، وكانت له هيبة، حتى في نفس أساتذته، فقد كان بعض أساتذته يمزح مع بعض تلاميذه، غير عالم بمكان أحمد من المجلس، فلما علم بمكانه لا مهم، إذ لم ينبهوه إلى وجوده، حتى لا يمزح، وهو في حضرته.
وكانت الشرطة تهابه، حتى عند ما كانوا يساورون داره، فإنه يروى أن الشرطي المنوط به القيام بالليل ذهب ليناديه، فهاب أن يطرق بابه، وآثر أن يطرق باب عمه، ويصل إليه من ذلك الباب، بعد أن تستأنس نفسه بذلك اللقاء المهيب.
أما هيبة تلاميذه له، فأعظم من ذلك، وإن كان هو الأليف المألوف، الموطأ الكنف الذي يجانب العلو والاستكبار، فأحد تلاميذه يقول فيه: «كنا نهاب أن نرد أحمد في الشيء، أو نحاجه في شيء من الأشياء» ويقول أحد معاصريه الذين تتلمذوا له: «دخلت على إسحاق بن إبراهيم، وفلان وفلان من السلاطين، فما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه، أكلمه في شيء، فوقعت على الرعدة حين رأيته من هيبته».
(١) الحلية جـ ٩ ص ١٨١
91