Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
آراؤه في السياسة
٢٥ - ولقد كان مسلك أحمد في دراسته لبعض النواحي المتصلة بالسياسة رجلاً يتبع الأثر، ولا يتجانف عن مسلكه، وكان بالنسبة لآرائه في الصحابة يتبع المنقول وما كان عليه الكثرة من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، فهو في هذا أثري، كشأنه في كل ما كان يتجه إليه من درسات.
وفي شأن الخلافة والخليفة، ومن يختار، وكيف يختار - كان رجلاً واقعياً، يتجنب الفتن، ويجتهد في أن يكون شمل المسلمين ملتئماً، ويؤثر الطاعة لإمام متغلب، ولو كان ظالماً - على الخروج على الجماعة.
ويتشابه نظر أحمد في مسائل السياسة ونظر الإمام مالك رضي الله عنه، فيما يتفقان في ترتيب منازل الصحابة، ويتفقان في اختيار الخليفة، ويتفقان في أن الخروج على الخليفة، ولو كان ظالماً لا يجوز، لأنه يرتكب في فتن الخروج من الظلم ما لا يرتكبه الحاكم المستبد من ظلم.
وإذا كان ثمة من فرق بين الإمامين في هذا فهو أن مالكاً رضي الله عنه عاين فتن الخروج، والاضطراب في عصور الانقلاب، وكانت في عصره الفتن، وقريبة منه، أما أحمد، فلم يعاين الفتن كثيراً، ولم يكن في عصره قريباً منها، ولم يشهد إلا الفتن التي كانت بين الأمين والمأمون، وقد رآها قد انتهت إلى شر لا إلى خير، وإلى تغلغل النفوذ الفارسي، وظهور النحل المختلفة، والابتداع في الدين، وسيطرة الابتداع على الحاكمين، وأنه كان فريسة لذلك النوع من الحكم الظالم، ونزل به من الضرب، والحبس والتضييق ما يثير كل حكيم، ويزرع حب النقمة في القلوب، ويولد الحقد والأحن - وكان هذا من شأنه أن يجعله مؤيداً للخروج على الحكام، لو كان رأيه يستمد من إحساسه، ولكنه ما جعل حكمه تبعاً لهواه، ولا رأيه تبعاً لما كان يأخذه على حكام عصره، بل استمد رأيه في الخلافة والخروج عليها من السنة، وعمل السلف، والمصلحة الاجتماعية العامة، لا تلك الأحاسيس الخاصة، فقد كان ينهى عن الخروج، ويعتبره بغياً مهما تكن حال الخليفة، ولو كان قاتله، ومن صب عليه سوط العذاب.
(١٠)
145