ح يبوحان بسري
يا حبيبي قد كتمت ال
حب حتى ضاق صدري
قال ذو النون: فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت، ثم سمعتها تقول: إلهي وسيدي ومولاي بحبك لي، إلا غفرت لي. قال: فتعاظمني ذلك، وقلت: يا جارية، أما يكفيك أن تقولي بحبي لك حتى تقولي بحبك لي؟ فقالت: إليك يا ذا النون، أما علمت أن لله قوما يحبهم قبل أن يحبوه، أما سمعت الله يقول:
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ، فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له، فقلت: ومن أين علمت أني ذو النون؟ فقالت: يا بطال، جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك، ثم قالت: انظر من خلفك، فأدرت وجهي، فلم أدر السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها.»
ويروي محيي الدين في الفتوحات صفات المحبة عند العارفين، فيقول: «إن المحبين لله شق لهم عن قلوبهم، فأبصروا بنور القلوب عن جلال الله؛ فصارت أبدانهم دنيوية، وأرواحهم حجبية، وعقولهم سماوية، تسرح بين صنوف الملائكة، وتشاهد تلك الأمور باليقين؛ فيعبدون بمبلغ استطاعتهم حبا له، لا طمعا في جنة ولا خوفا من نار.»
ويقول ذو النون في محبة العارفين وصفاتهم: «هم الذين أنار الحب لهم آفاق السماء فلما ذاقوا، أمطرت عليهم سحب الأشجان، فتسربلوا بالخوف والأحزان، وشربوا بكأس اليقين وراضوا أنفسهم رياضة الموقنين، فكانت قرة أعينهم في مشاهدة محبوبهم؛ ولهذا كحلوا أبصارهم بالسهر، وغضوها عن النظر، وألزموها الصبر، وأشعروها الفكر، فقاموا ليلهم أرقا، واستهلت دموعهم تترى، صحبوا محبوبهم بأبدان ناحلة وشفاه ذابة، ودموع زائلة وزفرات قاتلة، فكأن زفير النار تحت أقدامهم، وكأن وعيده نصب أعينهم.»
يقول محيي الدين: «والحب الإلهي هو أسمى ما في عالم المعاني؛ ولهذا يستغرق الطاقة كلها، فيذهل المحب عن نفسه، ويفنى في محبوبه فناء معنويا لا يمكن تصوره، وكيف نتصور ما ليس بصورة وليست للمعنويات صور؟ وهذا هو حب العارفين، الذين يمتازون به عن العوام أصحاب الاتحاد الذين تخيلوا الفناء اتحادا ذاتيا لا معنويا، وتخيلهم هذا دل على نقص فطرتهم.
فالمحب العارف: إنما يفنى في محبوبه فناء افتقار وذلة، ورجاء وعبودية، وحنينا وشوقا مع كمال الأدب والمعرفة.»
ثم يحذر محيي الدين، ويحذر هؤلاء الذين تذهلهم بروق المحبة، أو تخدعهم بشاشات القرب والأنس في بساط الحضرة، فيقول: «لا يجوز لمن نهل فوصل: ترك الحرمة عند الخدمة لمن جلس على بساط الأنس والمحبة؛ فللحضرة آدابها وأذواقها، وإلا حرم فطرد.
अज्ञात पृष्ठ