إذا قال: يا أيها الناس. يقولون: نحن الناس، فما تريد منا يا ربنا في ندائك هذا؟ فيقول لهم - عز وجل - على لسانهم بتلاوتهم كلامه الذي أنزله:
اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . ويقول: يا أيها الناس. فيقولون: لبيك ربنا، فيقول لهم: اتقوا ربكم
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ؛ فيقولون: ربنا خاطبتنا فسمعنا وفهمتنا ففهمنا، فيا ربنا وفقنا، واستعملنا فيما طلبته منا من عبادتك وتقواك؛ إذ لا حول لنا ولا قوة إلا بك، ومن نحن حتى تنزل إلينا من علو جلالك وتنادينا وتطلب منا. فيقول: يا أيها الناس. فيقولون: لبيك. فيقول:
إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا . فيقولون: يا ربنا، أسمعتنا فسمعنا، وأعلمتنا فعلمنا، فاعصمنا وتعطف علينا؛ فالمنصور من نصرته، والمؤيد من أيدته، والمخذول من خذلته. فيقول: يا أيها الإنسان. فيقول الإنسان منهم: لبيك يا رب. فيقول:
ما غرك بربك الكريم . فيقول: كرمك. فيقول: صدقت . ويقول : يا أيها الذين آمنوا. فيقولون: لبيك. فيقول: «اتقوا الله حق تقاته وقولوا قولا سديدا.» فيقولون: وأي قول لنا إلا ما تقولنا، وهل لمخلوق حول ولا قوة إلا بك؟ فاجعل نطقنا ذكرا وقولنا تلاوة كتابك. فيقول: يا أيها الذين آمنوا. فيقولون: لبيك ربنا، فيقول:
عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . فيقولون: ربنا أغريتنا بأنفسنا لما جعلتها محلا لإيمانك، فقلت:
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ، وقلت:
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، والآيات ليست مطلوبة إلا لما تدل عليه، وأنت مدلولها؛ فكأنك تقول في قولك: عليكم أنفسكم: أي: الزمونا وثابروا علينا.»
ذلك هم رجال الليل الذين يقطعونه استغفارا وذكرا؛ ذكرا بقرآنه الحكيم، وفي الحديث: أن المصلي الحاضر القلب، هو من يقف في صلاته عند التلاوة، وهو يحس أن الله يسمعه، أو يتلو وكأن الله - سبحانه - هو الذي يتلو على لسانه؛ لأن القرآن كلام الله - تعالى.
وهكذا أهل الليل، يقرأون وكأنهم يستمعون إلى ربهم، يكلمهم بقرآنه؛ فكل آية عندهم سؤال وجواب، وذلك لون من التذوق، هبة من هبات الرحمن لأهل الليل، ومقدار تلك الهبة إنما يعرفها من ذاق.
अज्ञात पृष्ठ