والتقى محيي الدين بالخضر مرة أخرى؛ حينما كان مع شيخه الثاني الإمام جراح بن خميس، ويحدثنا محيي الدين عن هذا اللقاء فيقول: «ثم اتفق لي مرة أخرى أني كنت في مركب في البحر، فأخذني وجع في بطني، وأهل المركب قد ناموا، فقمت إلى جانب السفينة، وتطلعت إلى البحر، فرأيت شخصا على بعد في ضوء القمر، وكانت ليلة البدر، وهو يأتي على وجه الماء حتى وصل إلي ووقف معي، ثم تكلم معي بكلام كان عنده، ولقنني أشياء وأشياء، ثم سلم وانصرف يطلب المغارة مائلا نحو تل على شاطئ، بيننا وبينه مسافة تزيد على ميلين، فقطع تلك المسافة في خطوتين أو ثلاث، فسمعت صوته وهو على ظهر المغارة يسبح الله، وربما مشى إلى شيخنا جراح بن خميس الكتاني، وكان من سادات القوم، وكنت جئت من عنده بالأمس من ليلتي تلك، فلما جئت المدينة لقيت رجلا صالحا، فقال لي: كيف كانت ليلتك البارحة في المركب مع الخضر؟ ما قال لك وما قلت له؟ فعلمت أنه الخضر.»
وكان شيخه الثالث، أبو محمد بن عبد الله، ذروة مرموقة في علوم الكشف، ويحدثنا عنه فيقول: «دخلت على شيخنا أبي محمد بن عبد الله بغرناطة سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وهو من أكبر من لقيته في هذا الطريق، ولم أر في طريقته مثله في الاجتهاد، وكان ممن أوتوا فهما في القرآن إرثا محمديا، فقال لي: الرجال أربعة:
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم رجال الظاهر.
ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وهم رجال الباطن، جلساء الحق - تعالى - ولهم المشورة.
ورجال الأعراف، وهم رجال الحد، قال الله - تعالى:
وعلى الأعراف رجال ، وهم أهل الشم والتميز والسراح عن الأوصاف، فلا صفة لهم، كان منهم أبو اليزيد البسطامي.
ورجال إذا دعاهم الحق يأتونه رجالا لسرعة الإجابة لا يركبون. قال - تعالى:
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ، وهم رجال المطلع.
فرجال الظاهر لهم التصرف في عالم الملك والشهادة، وأما رجال الباطن؛ فهم الذين لهم التصرف في عالم الغيب والملكوت؛ فيستنزلون الأرواح العلوية بهممهم فيما يريدونه. أعني أرواح الكواكب لا أرواح الملائكة، فيفتح لهؤلاء الرجال في باطن الكتب المنزلة والصحف المطهرة وكلام العالم كله، ونظم الحروف والأسماء من جهة معانيها، ما لا يمكن لغيرهم؛ اختصاصا إلهيا.
وأما رجال الحد: فهم الذين لهم التصرف في عالم الأرواح النارية، وهو عالم البرزخ والجبروت، وهم رجال الأعراف، والأعراف سور حاجز بين الجنة والنار، برزخ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب؛ فهو حد بين دار السعداء ودار الأشقياء، وهؤلاء الرجال أسعد الناس بمعرفة هذا السور، ولهم في كل حضرة دخول واستشراف.
अज्ञात पृष्ठ