فديتكمو لم تفهموا السر إنما
قليتكمو جهدي فأبعدتكم جهدي
1
يظهر ابن عمار المعتمد على هذه الأبيات مبديا فيها كرهه للناس ولا يخشى أن يغضب عليه المعتمد لأنه بإظهارها له يستثنيه من هؤلاء الذين قلاهم فأبعدهم؛ فقد كان ابن عمار يعلم أن هذه الأبيات لا بد واقعة في يد المعتمد وخشي أن يظن نفسه ضمن هؤلاء الناس، فابن عمار يسارع بقراءتها عليه لهذا جميعه وليفتح للمعتمد بابا يقول فيه الشعر بعد أن ثاب إليه ولده فعاد إليه لبه غير مشترك فعساه إذن أن ينشغل بمعالجة الشعر عن متابعة ابن عمار.
ويفرح المعتمد بعودة ابن عمار إلى الشعر والخمر ويفرح أيضا ببغضه للناس فإنه بهذا سيفرغ له فيرتاح نفسا، ويهدأ خاطرا؛ فقد كان يخشى طموح ابن عمار فهو يعلم أن آماله لن تقف به إلى حد ينتهي إليه، وهو يعلم أن آمال ابن عمار هذه محفوفة بالأخطار فهي تمتد إلى الفتوح الجديدة وإلى الممالك بأكملها وكان لا بد لفتح الممالك من الجيوش والأموال والرجال، وكان لا بد أيضا أن يتعرض ابن عمار في هذه الفتوح إلى الأخطار المحدقة وهو لا يكتفي بأن يقدم نفسه بل هو يزيد فيحيط أبناء المعتمد أنفسهم بما يخشاه المعتمد عليهم.
كان المعتمد يعلم هذا جميعه وكان يعلم أيضا أنه لا يستطيع أن يرفض مطلبا لابن عمار فهو يخشى أن تظل هذه الآمال تداعبه فيطلب الجيوش والأموال ويضطر المعتمد إلى أداء هذه المطالب وهو كاره وإنما يؤديها حبا لابن عمار لا لشيء آخر. كان المعتمد يتمنى أن يفتح الممالك وأن تنضم إلى ملكه ولكنه يريد ذلك بغير عتاد ولا مشقة فإنما لا يزهيه من هذا الاتساع إلا أن يقول الشعر ويفخر بمجده ومجد وزيره. أما إذا كانت الفتوح تكلفه عنتا من أمره فبحسبه المجد الذي تم له وهو غني كل الغنى عن فتوح أخرى. وهكذا فرح المعتمد أن ابن عمار عاد إلى الخمر والشعر وأغضى عن آماله الواسعة.
ويحس ابن عمار بهذه المعاني التي تدور بنفس المعتمد فينكب على الشعر والخمر متحينا الفرصة ليعود إلى ما كان يطمع فيه واثقا أن المعتمد لن يخذله. ويزيد ابن عمار من إظهار ميله هذا للخمر ومجالس الغناء حتى إنه لا يكتفي بتلك المجالس التي يفسحها له المعتمد بل هو يقبل دعوة من دعاه إلى مثلها فهو يقصد إلى بيوت خاصة أصدقائه فيشرب ويسمع ويبلغ هذا المعتمد فيشتد يقينه أن ابن عمار لن يعود إلى السياسة أبدا.
وقد حدث يوما أن أرسل إليه أحد خاصته يدعوه إلى ليلة من تلك الليالي وكان هذا الصديق شاعرا فكتب إلى ابن عمار يقول:
ضمان على الأيام أن أبلغ المنى
إذا كنت في ودي مسرا ومعلنا
अज्ञात पृष्ठ