وفي هذه الصورة ظهر الشيطان في ديانات الأمم الكبرى، ثم ظهر في الديانات الكتابية بمختلف الأسماء، وكلها تدل على التعطيل والتشويه والإفساد، ولا تدل على الخلق والتكوين ... كلها قوة سالبة ناقصة، وليست بقوة موجبة كاملة تبتدئ بمشيئتها عملا من الأعمال.
هذه القوة الشيطانية تحول الخير عن موضعه، أو تملي للنقص في عيوبه، أو تقف في طريق الكمال عقبة تصد الساعين إليه، أو تزيف «العملة» الإلهية فتجعل الزائف منها كالصحيح في رأي المضلل المخدوع.
ولكنها في جميع أحوالها قوة سالبة، وليست بالقوة الموجبة الموجدة بأية حال.
وقد يتمرد الشر على الخير ويعصيه.
وقد يخرج الشيطان على أمر الله، وقد يشوه الخلق وينتقصه، ويستر محاسنه، ويبدي عوراته، ويحول دون رضوان الله على مخلوقاته، ولكنه يعمل تابعا ولا يعمل مستقلا في كون من الأكوان غير الكون الذي خلقه الله.
وفي هذه المراحل جميعا يدل اسم الشيطان على موقفه من القوة الكونية الكبرى، فهو المتمرد، أو هو «الضد»، أو هو الواشي النمام، أو هو الساعي بالفتنة والمغري بالفساد والموغر للصدور.
وما من اسم للشيطان بين هذه الأسماء إلا وهو يحمل في دلالته معنى الإفساد والمنع والتشويه، فليست له قدرة على الخلق والإنشاء إلى جانب قدرة الله. •••
ولما تقررت المقاييس الإلهية في الأخلاق والأعمال تقررت المقاييس الشيطانية تبعا لها وبالنسبة إليها، فكان الجديد فيها أنها معالم شخصية ذات ملامح معلومة لا ترتسم اعتباطا في الواقع أو في الخيال.
وقد عالج الشراح الدينيون أن يلخصوا «الشيطنة» في صفة واحدة تجمع عنصرها، ويقوم بها كيانها، فذكروا الكبرياء، وذكروا العصيان، وذكروا الحسد، وذكروا الكراهية، وذكروا الباطل والخداع. وكلها صفات لا تحسب من لوازم الشيطان إلا بعد علم بوجود الإله المتصرف في المقادير والأكوان.
فالكبرياء افتئات على مقام الإله، والعصيان خروج على شريعته، والحسد إنكار لنعمته واعتراض على تقديره، والكراهية صفة قد يتصف بها الأبرار حينا بعد حين إذا كانت الكراهية لهذا العمل البغيض، أو لذلك المخلوق الذميم، ولكنها إذا كانت قوام الطبيعة كلها فهي صفة هادمة غاشمة تناقض الصفة الإلهية في الصميم، وهي الحب ولوازمه من البر والإنعام. أما الباطل والخداع فهما نقيض الحق ونقيض الاستقامة، ونقيض الخلق على الصدق والسواء.
अज्ञात पृष्ठ