قسم التحقيق
पृष्ठ 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثامن من كتاب الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة وهو الأول من كتاب القدر تأليف أبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة رضي الله عنه رواية الشيخ أبي القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي البسري بالإجازة عنه رضي الله عنه رواية الشيخ الإمام أبي الحسن على بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن الزاغوني نفعنا الله وإياه بالعلم آمين
فيه ثمانية أبواب
1 باب ذكر ما أخبرنا الله تعالى في كتابه أنه ختم على قلوب من أراد من عباده فهم لا يهتدون إلى الحق ولا يسمعونه ولا يبصرونه وأنه طبع على قلوبهم
2 باب ذكر ما أعلمنا الله تعالى في كتابه أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأنه لا يهدي بالمرسلين والكتب والآيات والبراهين إلا من سبق في علم الله أنه يهديه
पृष्ठ 233
3 باب ذكر ما أخبرنا الله تعالى أنه أرسل المرسلين إلى الناس يدعونهم إلى عبادة رب العالمين ثم أرسل الشياطين على الكافرين تحرضهم على تكذيب المرسلين ومن أنكر ذلك فهو من الفرق الهالكة
4 باب ذكر ما أعلمنا الله تعالى أن مشيئة الخلق تبع لمشيئته وأن الخلق لا يشاؤون إلا ما شاء الله
5 باب ما روي أن الله تعالى خلق خلقه كما شاء لما شاء فمن شاء خلقه للجنة ومن شاء خلقه للنار سبق بذلك علمه ونفذ فيه حكمه وجرى به قلمه ومن جحده فهو من الفرق الهالكة
6 باب الإيمان بأن الله أخذ ذرية آدم من ظهره فجعلهم فريقين فريقا للجنة وفريقا للسعير
7 باب الإيمان بأن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرضين ومن خالف ذلك فهو من الفرق الهالكة
8 باب الإيمان بأن الله تعالى خلق القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن فمن خالفه فهو من الفرق الهالكة
पृष्ठ 234
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم رب يسر
أخبرنا الشيخ الإمام ناصر السنة أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر الزاغوني أحسن الله توفيقه قال أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري قال أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة قال الحمد لله أهل الحمد ووليه المنان الجواد الذي ثوابه جزل وعطاؤه فضل وأياديه متتابعة ونعماؤه سابغة وإحسانه متواتر وحكمه عدل وقوله فصل حصر الأشياء في قدرته واحاط بها علمه ونفذت فيها مشيئته وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم
पृष्ठ 235
أما بعد يا إخواني وفقنا الله وإياكم لأقصد الطريق وأهداها وأرشد السبل وأسواها فهي طريق الحق التي اختارها وارتضاها واعلموا أن طريق الحق أقصد الطرق ومناهجه أوضح المناهج وهي ما أنزله الله في كتابه وجاءت به رسله ولم يكن رأيا متبعا ولا هوى مبتدعا ولا إفكا مخترعا وهو الإقرار لله بالملك والقدرة والسلطان وأنه هو المستولي على الأمور سابق العلم بكل كائن ونافذ المشيئة فيما يريد كان الخلق كله وكل ما هو فيه بقضاء وتدبير ليس معه شريك ولا دونه مدبر ولا له مضاد بيده تصاريف الأمور وهو الآخذ بعقد النواصي والعالم بخفيات القلوب ومستورات الغيوب فمن هداه بطول منه اهتدى ومن خذله ضل بلا حجة له ولا عذر خلق الجنة والنار وخلق لكل واحدة منهما اهلا هم ساكنوها أحصاهم عددا وعلم أعمالهم وأفعالهم وجعلهم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا وخلق آدم عليه السلام وأخذ من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة وقدر أعمالهم وقسم أرزاقهم وأحصى اجالهم وعلم اعمالهم فكل أحد يسعى في رزق مقسوم وعمل محتوم إلى أجل معلوم قد علم ما تكسب كل نفس قبل أن يخلقها فلا محيص لها عما علمه منها وقدر حركات العباد وهممهم وهواجس قلوبهم وخطرات نفوسهم فليس أحد يتحرك حركة ولا يهم همة إلا بإذنه وخلق الخير والشر وخلق لكل واحد منهما عاملا يعمل به فلا يقدر أحد ان يعمل إلا لما خلق له وأراد قوما للهدى فشرح صدورهم للإيمان وحببه إليهم وزينه في قلوبهم وأراد آخرين للضلال فجعل صدورهم ضيقة حرجة وجعل الرجاسة عليهم وأمر عباده بأوامر وفرض عليهم فرائض فلن يؤدوها إليه إلا بتوفيقه ومعونته وحرم محارم وحد حدودا فلن يكفوا عنها إلا بعصمته فالحول والقوة له وواقعة عليهم حجته غير معذورين فيما بينهم وبينه يضل من يشاء ويهدي من يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون فلم يزل الصدر الأول على هذا جميعا على ألفة القلوب واتفاق المذاهب كتاب الله عصمتهم وسنة المصطفى إمامهم لا يستعملون الآراء ولا يفزعون إلى الهواء فلم يزل الناس على ذلك والقلوب بعصمة مولاها محروسة والنفوس عن اهوائها بعنايته محبوسة حتى حان حين من سبقت له الشقوة وحلت عليه السخطة وظهر الذين كانوا في علمه مخذولين وفي كتابه السابق انهم إلى أعدائهم من الشياطين مسلمون ومن الشياطين عليهم مسلطون فحينئذ دب الشيطان بوسوسته فوجد مساغا لبغيته ومركبا وطيا إلى ظفره بحاجته فسكن إليه المنقاد إلى الشبهات والسالك في بليات الطرقات فاتخذها دليلا وقائدا وعن الواضحة حائدا طالب رياسة وباغي فتنة معجب برأيه وعابد لهواه عليه يرد وعنه يصدر قد نبذ الكتاب وراء ظهره فلم يستشهده ولم يستشره ففي آذانهم وقر وهو عليهم عمى كأنهم إلى كتاب الله لم يندبوا وعن طاعة الشيطان لم يزجروا فهم عن سبيل من أرشده الله متباعدون ولأهوائهم في كل مايأتون ويذرون متبعون واستحوذ الشيطان على من لم يشرح الله صدره للإسلام وأورده بحار العمي فهم في حيرة يترددون فجاروا عن سواء السبيل فقالوا بيد الشيطان من أمر الخلق ما لا يجوز أن يكون بيد الله ومشيئته فيهم حائلة تدون مشيئة الله لهم فضعفوا أمر الله ووهنوه وردوا كتاب الله وكذبوه وقووا من امر الشيطان ما ضعفه الله حين قال
ﵟإن كيد الشيطان كان ضعيفاﵞ
وقد كان سلفنا وأئمتنا رحمة الله عليهم يكرهون الكلام في القدر وينهون عن خصومة اهله ومواضعتهم القول أشد النهي ويتبعون في ذلك السنة وآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم 1274
حدثنا أبو ذر أحمد بن محمد الباغندي قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقري قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عطاء بن دينار عن حكيم بن شريك الهذلي عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن ربيعة الجرشي عن أبي هريرة الدوسي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم + إسناده ضعيف +
पृष्ठ 238
1275 حدثنا أبو عبيد المحاملي قال حدثنا أبو غسان مالك بن خالد ابن أسد الواسطي قال حدثنا عثمان بن سعيد الخياط الواسطي قال حدثنا الحكيم بن سنان عن داود بن أبي هند عن الحسن عن أبي ذر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتذاكرون شيئا من القدر فخرج مغضبا كانما فقىء في وجهه حب الرمان فقال أبهذا أمرتم أو ما نهيتم عن هذا إنما هلكت الأمم قبلكم في هذا إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا + صحيح بشواهده
पृष्ठ 239
1276 حدثنا أبو علي محمد بن يوسف البيع بالبصرة قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن خلف الضبي قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد عن حميد ومطر وداود وعامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فكأنما فقىء في وجهه حب الرمان فقال أبهذا أمرتم أبهذا وكلتم انظروا ما امرتم به فاتبعوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه + حسن +
पृष्ठ 240
1277 حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب المتوثى بالبصرة قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال انبأ ابن وهب قال اخبرني عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فسمع ناسا يتذاكرون القدر فقال إنكم قد أخذتم في شعبتين بعيدتي الغور فيهما هلك اهل الكتاب . . . وذكر الحديث + صححه الترمذي وصحح إسناده الألباني
पृष्ठ 241
1278 حدثنا أبو علي محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الرحمن بن خلف قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن حبيب وحميد ان مسلم بن يسار سئل عن القدر فقال واديان عميقان لا يدرك غورهما قف عند أدناه واعمل عمل رجل يعلم أنه يجزى بعمله وتوكل رجل يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له
1279 حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن زيد قال حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن عثمان القرشي قال حدثنا يحيى ابن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه عن عائشة قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكلم في القدر سئل عنه ومن لم يتكلم فيه لم يسئل عنه + ضعيف
पृष्ठ 242
1280 حدثنا النيسابوري قال حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق قال حدثنا حماد بن مسعدة قال حدثني زياد أبو عمرو قال حدثني محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال كنت جالسا عند ابن عمر فسئل عن القدر فقال شيء أراد الله ألا يطلعكم عليه فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم
1281 حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عبد الله بن شهاب قال أنبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا جعفر يعني ابن برقان عن ميمون بن مهران قال ثلاث أرفضوهن ما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجوم والنظر في القدر
1282 حدثنا ابن أبي حازم الكوفي قال سمعت أبا محمد الإسكاف يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول من أحب أن يفرح بالله ويتمتع بعبادة الله فلا يسألن عن سر الله يعني القدر
पृष्ठ 243
قال الشيخ رضي الله عنه فإن قال قائل قد رويت هذه الأحاديث في الإمساك عن الكلام في القدر والنظر فيه ومع هذا فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعن جماعة من التابعين وفقهاء المسلمين أنهم تكلموا فيه وفسروا آيات من القرآن يدل ظاهرها وتفسيرها على العلم بالقدر وقد رأينا جماعة من العلماء ألفوا فيه كتبا وصنفوه أبوابا
ورووا أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعلموا من القدر ما لا تضلون وهذا مخالف لقوله إذا ذكر القدر فأمسكوا فإني أرجع إليه بجواب ما سال عنه من ذلك بأن أقول له اعلم رحمك الله أن كلا الوجهين صحيحان وكلا الأمرين واجب القبول لهما والعمل بهما وذلك أن القدر على وجهين وأمر النجوم على وجهين وأمر الصحابة على وجهين
فأما أمر النجوم
فأحدهما واجب علمه والعمل به فاما ما يجب علمه والعمل به فهو أن يتعلم من النجوم ما يهتدي به في ظلمات البر والبحر ويعرف به القبلة والصلاة والطرقات فبهذا العلم من النجوم نطق الكتاب ومضت السنة
وأما ما لا يجوز النظر فيه والتصديق به ويجب علينا الإمساك عنه من علم النجوم فهو أن لا يحكم للنجوم بفعل ولا يقضي لها بحدوث أمره كما يدعي الجاهلون من علم الغيوب بعلم النجوم ولا قوة إلا بالله
وكذلك امر الصحابة رحمة الله عليهم فأمرهم على وجهين
पृष्ठ 244
أحدهما فرضي علينا علمه والعمل به
والأخر واجب علينا الإمساك عنه وترك المسألة والبحث والتنقير عنه
فاما الواجب علينا عمله والعمل به فهو ما انزله الله في كتابه من وصفهم وما ذكره من عظيم أقدارهم وعلو شرفهم ومحل رتبهم وما امرنا به من الاتباع لهم بإحسان مع الاستغفار لهم وعلم ما جاءت به السنة من فضائلهم ومناقبهم وعلم ما يجب علينا حبهم لأجله من فضلهم وعلمهم ونشر ذلك عنهم لتنحاش القلوب إلى طاعتهم وتتألف على محبتهم فهذا كله واجب علينا والعمل به ومن كمال ديننا طلبه
पृष्ठ 245
وأما ما يجب علينا تركه وفرض علينا الإمساك عنه وحرام علينا الفحص والتنقير عنه هو النظر فيما شجر بينهم والخلق الذي كان جرى منهم لأنه أمر مشتبه ونرجىء الشبهة إلى الله ولا تميل مع بعضهم على بعض ولا نظلم احدا منهم ولا نخرج أحدا منهم من الإيمان ولا نجعل بعضهم على بعض حجة في سب بعضهم لبعض ولا نسب أحدا منهم لسبه صاحبه ولا نقتدي بأحد منهم في شيء جرى منه على صاحبه ونشهد أنهم كلهم على هدى وتقى وخالص إيمان لأنا على يقين من نص التنزيل وقول الرسول أنهم أفضل الخلق وخيره بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأن احدا ممن أتى بعدهم ولو جاء بأعمال الثقلين الإنس والجن من أعمال البر ولو لقي الله تعالى ولا ذنب له ولا خطيئة عليه لما بلغ ذلك أصغر صغيرة من حسنات أدناهم وما فيهم دني ولا شيء من حسناتهم صغير والحمد لله
وأما القدر فعلى وجهين
أحدهما فرض علينا علمه ومعرفته والإيمان به والتصديق بجميعه
والآخر فحرام علينا التفكر فيه والمسألة عنه والمناظرة عليه والكلام لأهله والخصومة به
فأما الواجب علينا علمه والتصديق به والإقرار بجميعه أن نعلم أن الخير والشر من الله وأن الطاعة والمعصية بقضاء الله وقدره وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وأن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا علمهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ووفقهم لأعمال صالحة رضيها أمرهم بها فوفقهم لها وأعانهم عليها وشكرهم بها وأثابهم الجنة عليها تفضلا منه ورحمة وخلق النار وخلق لها أهلا احصاهم عددا وعلم ما يكون منهم وقدر عليهم ما كرهه لهم خذلهم بها وعذبهم لأجلها غير ظالم لهم ولا هم معذورون فيما حكم عليهم به فكل هذا وأشباهه من علم القدر الذي لزم الخلق علمه والإيمان به والتسليم لأمر الله وحكمه وقضائه وقدره فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون
وسيأتي من علم القدر وما يجب على المسلمين علمه والمعرفة به وما لا يسعهم جهله مشروحا مفصلا في أبوابه على ما جاء به نص التنزيل ومضت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالله نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله
पृष्ठ 246
وأما الوجه الآخر من علم القدر الذي لا يحل النظر فيه ولا الفكر به وحرام على الخلق القول فيه كيف ولم وما السبب مما هو سر الله المخزون وعلمه المكتوم الذي لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وحجب العقول عن تخيل كنه علمه والناظر فيه كالناظر في عين الشمس كلما ازداد فيه نظرا ازداد فيه تحيرا ومن العلم بكيفيتها بعدا فهو التفكر في الرب عز وجل كيف فعل كذا وكذا ثم يقيس فعل الله عز وجل بفعل عباده فما رآه من فعل العباد جورا يظن أن ما كان من فعل مثله جور فينفي ذلك الفعل عن الله فيصير بين أمرين إما أن يعترف لله عز وجل بقضائه وقدره ويرى أنه جور من فعله وأما أن يرى أنه ممن ينزه الله عن الجور فينفي عنه قضاؤه وقدره فيجعل مع الله آلهة كثيرة يحولون بين الله وبين مشيئته فبالفكر في هذا وشبهه والتفكر فيه والبحث والتنقير عنه هلكت القدرية حتى صاروا زنادقة وملحدة ومجوسا حيث قاسوا فعل الرب بأفعال العباد وشبهوا الله بخلقه ولم يعوا عنه ما خاطبهم به حيث يقول
ﵟلا يسأل عما يفعل وهم يسألونﵞ
पृष्ठ 247
فمما لا يحل لأحد أن يتفكر فيه ولا يسأل عنه ولا يقول فيه لم لا ينبغي لأحد أن يتفكر لم خلق الله إبليس وهو قد علم قبل أن يخلقه أنه سيعصيه وأن سيكون عدوا له ولأوليائه ولو كان هذا من فعل المخلوقين إذا علم أحدهم أنه إذا اشترى عبدا يكون عدوا له ولأوليائه ومضادا له في محابه وعاصيا له في أمره ولو فعل ذلك لقال أولياؤه وأحباؤه إن هذا خطأ وضعف رأي وفساد نظام الحكمة فمن تفكر في نفسه وظن أن الله لم يصب في فعله حيث خلق إبليس فقد كفر ومن قال أن الله لم يعلم قبل أن يخلق إبليس أنه يخلق إبليس عدوا له ولوليائه فقد كفر ومن قال أن الله لم يخلق إبليس اصلا فقد كفر
وهذا قول الزنادقة الملحدة فالذي يلزم المسلمين من هذا أن يعلموا أن الله خلق إبليس وقد علم منه جميع أفعاله ولذلك خلقه ويعملوا أن فعل الله ذلك عدل صواب وفي جميع أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ومما يجب على العباد علمه وحرام عليهم أن يتفكروا فيه ويعارضوه بآرائهم ويقيسوه بعقولهم وأفعالهم لا ينبغي لأحد أن يتفكر لم جعل الله لإبليس سلطانا على عباده وهو عدوه وعدوهم مخالف له في دينه ثم جعل له الخلد والبقاء في الدنيا إلى النفخة الأولى وهو قادر على أن لا يجعل له ذلك لو شاء أن يهلكه من ساعته لفعل ولو كان هذا من فعل العباد لكان خطأ وكان يجب في أحكام العدل من العباد أن إذا كان لأحدهم عبد وهو عدو له ولأحبائه ومخالف لدينه ومضاد له في محبته أن يهلكه من ساعته وإذا علم أنه يضل عبيده ويفسدهم ففي حكم العقل والعدل من العبادات أن لا يسلطه على شيء من الأشياء ولا يجعل له سلطانا ولا مقدرة ولو سلطه عليهم كان ذلك من فعله عند الباقين من عباده ظلما وجورا حيث سلط عليهم من يفسدهم عليه ويضاده فيهم وهو عالم بذلك من فعله وقادر على منعه وهلكته فممن تفكر في نفسه فظن أن الله لم يعدل حين جعل لإبليس الخلد والبقاء وسلطه على بني آدم فقد كفر ومن زعم أن الله عز وجل لم يقدر أن يهلك إبليس من ساعته حين أغوى عباده فقد كفر وهذا من الباب الذي يرد علمه إلى الله ولا يقال فيه لم ولا كيف لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
पृष्ठ 248
ومن ذلك نوع آخر أن الله عز وجل جعل لإبليس وذريته أن يأتوا بني آدم في جميع أطراف الأرض يأتونهم من حيث لا يرونهم لقوله عز وجل
ﵟإنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهمﵞ
وجعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم ولم يجعل للرسل من بني آدم من السلطان مثل ما جعل لهم ولو كان هذا في أحكام العباد لكان من العدل بينهم أن يكون مع إبليس وذريته علامة كعلامة السلطان أو يكون عليهم أجراس يعرفونهم بها ويسمعون حسهم فيأخذون حذرهم منهم حتى إذا جاؤوا من بعيد علم العباد أنهم هم الذين يضلون الناس فيأخذون حذرهم أو يجعل للرسل أن يزينوا ويوصلوا إلى صدور الناس من طاعة الله كما يوسوس الشيطان ذريته ويزينوا لهم المعصية فلو فعل ذلك كان عند عبيده الباقين ظلما وجورا لأن العباد لا يعلمون الغيب فيأخذوا حذرهم من إبليس والرسل لا يستطيعون أن يزينوا في قلوب العباد طاعة الله ومعرفته كما يزين الشيطان في قلوب العباد معصيته بالوسوسة فمن قال أن الله لم يجعل لإبليس وذريته سلطانا أن يأتوا على جميع بني آدم من حيث لا يرونهم ويوسوس في صدورهم المعاصي فقد كفر ومن قال أن الله لم يعدل حيث جعل لإبليس وذريته هذا السلطان على بني آدم فقد كفر وهذا أيضا من الباب الذي يرد علمه مع الإيمان به والتسليم فيه إليه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
पृष्ठ 249
ومن ذلك أيضا لا ينبغي لأحد أن يتفكر لم سلط الله الكفار على الرسل في الدنيا وسلط الكافرين على المؤمنين حتى قتلوهم وعذبوهم وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس وإنما سلط الله أعداءه على أوليائه ليكرم أولياءه في الآخرة بهوان أعدائه وهو قادر على ان يمنع الكافرين من المؤمنين ويهلك الكفار من ساعته ولو كان هذا من أفعال بعض ملوك العباد كان جورا عند أهل مملكته حيث سلط أعداءه على أنصاره وأوليائه وهو قادر على هلكتهم من وقتهم فمن تفكر في نفسه فظن أن هذا جور من فعل الله حيث سلط الكفار على المؤمنين فقد كفر ومن قال أن الله لم يسلطهم وإنما الكفارقتلوا أنبياء الله وأولياءه بقوتهم واستطاعتهم وأن الله لم يقدر ان ينصر أنبياءه وأولياءه حتى غلبوه وحالوا بينه وبين من أحب نصره وتمكينه فمن ظن هذا فقد كفر لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لا يشبه عدله عدل المخلوقين كما أن شيئا من الخلق لا ييشبهه
وخصلة أخرى أنه لا ينبغي لأحد أن يتفكر لم مكن الله لأعدائه في البلاد وأعانهم بقوة الأبدان ورشاقة الأجسام وأيدهم بالسلاح والدواب ثم أمر أنبياءه وأولياءه أن يعدوا لهم السلاح والقوة وأن يحاربوهم ويقاتلوهم ووعدهم أن يمدهم بالملائكة ثم قال هو لنفسه إني معكم على قتال عدوكم وهو قادر على أن يهلك اعداءه من وقته بأي أنواع الهلاك شاء من غير حرب ولا قتال وبغير أنصار ولا سلاح فلو كان هذا من أفعال العباد وأحكامهم لكان جورا وفسادا أن يقوي أعداءه على اوليائه ويمدهم بالعدة ويؤيدهم بالخيل والسلاح والقوة ثم يندب أولياءه لمحاربتهم فمن قال أن العدة والقوة والسلاح الذي في أعداء الله ليس هو من فعل الله بهم وعطية الله لهم فقد كفر ومن قال أن ذلك من فعل الله بهم وعطيته لهم وهو جور من فعله فقد كفر ومن قال أن الله أعطاهم وقواهم ولم يقدر أن يسلبهم إياه ويهلكهم من ساعته فقد كفر وهذا مما يجب الإيمان به والتسليم له وأن الله خلق أعداءه وقواهم وسلطهم ولو شاء أن يهلكهم لفعل والله أعدل في ذلك كله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
पृष्ठ 250
ومما لا ينبغي لأحد ان يتفكر فيه لا ينبغي لأحد أن يضمر في نفسه فيقول لم خلق الله الحيات والعقارب والهوام والسباع التي تضر بني آدم ولا تنفعهم وسلطها على بني آدم ولو شاء ان يخلقها ما خلقها ولو كان هذا من فعل ملوك العباد لقال اهل مملكته هذا غش لنا ومضرة علينا بغير حق حيث جعل معنا ما يضر بنا ولا ننتفع نحن ولا هو به فمن تفكر في نفسه فظن ان الله لم يعدل حيث خلق الحيات والعقارب والسباع وكلما يؤذي بني آدم ولا ينفعهم فقد كفر ومن قال أن لهذه الأشياء خالقا غير الله فقد كفر وهذا قول الزنادقة والمجوس وطائفة من القدرية فهذا مما يجب على المسلمين الإيمان به وأن يعلم أن الله خلق هذه الأشياء كلها وعلم أنها تضر بعباده وتؤذيهم وهو عدل من فعله وهو أعلم بما خلق
ﵟلا يسأل عما يفعل وهم يسألونﵞ
पृष्ठ 251
وخصلة أخرى لا ينبغي لأحد أن يتفكر ويضمر في نفسه لم ترك الله العباد حتى يجحدوه ويشركوا به ويعصوه ثم يعذبهم على ذلك وهو قادر على هدايتهم وهو قادر أن يمنع قلوبهم أن تدخلها شهوة شيء من معصيته أو محبة شيء من مخالفته وهو القادر على أن يبغض إلى الخلق أجمعين معصيته ومخالفته وقادر على أن يهلك من هم بمعصيته مع همته وهو قادر على أن يجعلهم كلهم على أفضل عمل عبد من أوليائه فلم لم يفعل ذلك فمن تفكر في نفسه فظن أن الله لم يعدل حيث لم يمنع المشركين من ان يشركوا به ولم يمنع القلوب أن يدخلهم حب شيء من معصيته ولم يهد العباد كلهم فقد كفر ومن قال أن الله أراد هداية الخلق وطاعتهم له وأراد ان لا يعصيه أحد ولا يكفر أحد فلم يقدر فقد كفر ومن قال أن الله قدر على هداية الخلق وعصمتهم من معصيته ومخالفته فلم يفعل ذلك وهو جور من فعله فقد كفر وهذا مما يجب الإيمان به والتسليم له وترك الخوض فيه والمسألة عنه وهو أن يعلم العبد أن الله عز وجل خلق الكفار وأمرهم بالإيمان وحال بينهم وبين الإيمان وخلق العصاة وأمرهم بالطاعة وجعل حب المعاصي في قلوبهم فعصوه بنعمته وخالفوه بما أعطاهم من قوته وحال بينهم وبين ما أمرهم به وهو يعذبهم على ذلك وهم مع ذلك ملومون غير معذورين والله عز وجل عدل في فعله ذلك بهم وغير ظالم لهم ولله الحجة على الناس جميعا له الخلق والأمر تبارك وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
पृष्ठ 252
فهذا من علم القدر الذي لا يحل البحث عنه ولا الكلام فيه ولا التفكر فيه وبكل ذلك مما قد ذكرته وما أنا ذاكره نزل القرآن وجاءت السنة وأجمع المسلمون من أهل التوحيد عليه لا يرد ذلك ولا ينكره إلا قدري خبيث مشوم قد زاغ قلبه وألحد في دين الله وكفر بالله وسأذكر الآيات في ذلك من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد & الباب الأول في ذكر ما أخبرنا الله تعالى في كتابه أنه ختم على قلوب من أراد من عباده فهم لا يهتدون إلى الحق ولا يسمعونه ولا يبصرونه وأنه طبع على قلوبهم &
قال الله عز وجل
ﵟإن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيمﵞ
وقال عز وجل
ﵟبل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاﵞ
وقال عز وجل
ﵟومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيمﵞ
وقال عز وجل
ﵟومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بهاﵞ
पृष्ठ 253