हुरुफ लातिनिय्या
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
शैलियों
ثانيا:
تقول: إن بساطة صور الحروف في الخط العربي ليست مجرد اتفاق، بل هي أمر مقصود.
وهذه قضية إن كان السيد يريد بها أن البساطة مقصودة عند وضع الأولين للخط العربي (كما هو ظاهر عبارته)، فإني أرجوه المعذرة إذا قلت له: كيف تسمح لنفسك أن تقررها؟ هل كنت حاضر النبطيين حوالي ميلاد المسيح فأخذت عنهم أن من نيتهم وضع رسم للغتهم العربية، ومن مقصودهم أن يكون بسيطا؟ وإن كانت أقوال القلقشندي وغير القلقشندي من كتاب العربية قد ورد فيها ما يفيد هذا، فاعتمدت في تلك القضية عليه، فإني أرجوك أن تعفي نفسك من أقوال المتقدمين والمتأخرين من كتاب العربية في هذا الخصوص. إنهم ما كانوا يعرفون من هو واضع الخط العربي، بل تخبطوا في الافتراضات والاستنتاجات تخبطا شديدا؛ فمن قائل إنه توقيفي من عهد آدم، ومن قائل إن واضعه نبي الله إدريس، وقائل إنه متلقى عن كاتب الوحي لنبي الله هود. ومن قائل إن أصله مقتطع من المسند الحميري. وما هم إلا المستشرقون من الإفرنج ، بحثوا ونقبوا في القرن التاسع عشر الماضي فقط، ثم دلونا على أن الخط العربي من وضع النبطيين، اشتقوه من الآرامية، وسرى منهم إلى أهل الحجاز وغيرهم من عرب الجاهلية. وهذا - كما قلت في موضع آخر - هو المعتمد الآن في جامعة فؤاد الأول.
وإذا اطلعت على كتاب أصل الخط العربي للأستاذ خليل يحيى نامق (من علماء كلية الآداب بهذه الجامعة)، لعلمت أن ما نقلته عن القلقشندي وهو: «إنهم فرقوا بين بعض الحروف بالنقط، وقصدوا بذلك تقليل الصور للاختصار؛ لأن ذلك أخف من أن يجعل لكل حرف صورة فتكثر الصور». ذلك القول الموهم أن الواضعين الأولين للخط العربي هم الذين فعلوا هذا، إنما هو قول بعيد عن الصواب - إن كان مرادا به هذا المعنى المتوهم من لفظه - لأن الذي أثبته أولئك المستشرقون، اعتمادا على النقوش الحسية، ودونه الأستاذ نامق، هو أن النبطيين لم يضعوا شيئا من النقط في حروف الكتابة، لا هم ولا من سرى إليهم خطهم من عرب الجاهلية. وكيف تعتبره صوابا وتبني عليه قضيتك تلك، مع استفاضة العلم عند المسلمين كافة، بأن صحف النبي التي دونت بها آيات القرآن، لم يكن في شيء منها أي نقط للحروف، ومثلها في عدم النقط مصاحف عثمان بن عفان التي نسخها من تلك الصحف وبعث بها للأقطار الإسلامية، وأن تنقيط القرآن لم يحدث إلا على يد الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان؟ فالعرب الأولون - من نبطيين وجاهليين - لم يكن عندهم إلا حرف واحد للباء والتاء والثاء والنون، وحرف واحد للجيم والحاء والخاء، وواحد للدال والذال، وواحد للراء والزاي، وواحد للسين والشين، وواحد للصاد والضاد، وواحد للطاء والظاء، وواحد للعين والغين. وإذا سألتني كيف كانوا يفرقون بين الحروف المشتركة عند القراءة؟ فالجواب ميسور عتيد: إنهم كانوا يفرقون بينها كما كان أصحاب النبي وكل المسلمين من بعده يفرقون بينها في القرآن مدة ثمانين سنة من تاريخ الهجرة إلى خلافة عبد الملك بن مروان.
على أن وجه الاعتراض بكيف كان يحصل التفريق بين الحروف هو - بالإضافة إلى مدة الإسلام - أشد وأقوى أضعافا منه بالإضافة إلى ما قبل الإسلام؛ لأنه شتان ما بين الزمنين وبين الحضارتين وبين ضرورتي التفريق. مهما كان النبطيون قوما أشداء، ومهما كانت لهم مملكة قامت من سنة 169 قبل المسيح في الجزء الشمالي من جزيرة العرب جنوبي فلسطين والشام، واستمرت إلى أن أزالها الرومان في سنة 106 بعد المسيح، ومهما كانوا - كما يقول مؤرخو الفرنجة - قد أغاروا على الشام واستولوا على دمشق عاصمتها، مهما يكن من حالهم هذا، فإنهم لم يكونوا كاليونان أو الرومان أو الفرس أو المصريين، أهل علم أو صناعة راقية حتى يغروا بالكتابة فيتقنوها ويتخذوا لها أدواتها. ومهما يكونوا قد تحضروا بعد التبدي، فإن تحضرهم لا بد كان كتحضر قريش في مكة، والأوس والخزرج في المدينة. وهم ومن سرى إليهم خطهم من أهل الحجاز هؤلاء وغيرهم من الجاهليين مهما كانوا في جملتهم أشداء أباة ضيم، فإنهم كانوا في جملتهم أيضا نقلة تجارة أو أصحاب إبل وشاء، رحلا نزلا، يجذبهم الغيث ويشردهم الجدب. وكان أدبهم ينحصر في المفاخرة بالأنساب، والتغني بما قام بينهم قديما وحديثا من وقائع القتال وصنوف الغارات، وبفضائل الشجاعة والكرم وإجارة اللائذين المستجيرين، وفي وصف الظواهر الطبيعية من سحاب وبرق ورعد وأمطار، وما نزلوه أو غادروه من منازل وديار، وفي التشبيب والنسيب، وفي وصف أسفارهم ومطاياهم، وما شاكل هذا. وخير هذا الأدب جوامع الكلم الخوالد التي تحمل الحكم والأمثال، مما هو نتاج التجاريب وزبدة فلسفة الحياة. وإذ كانت كتابتهم بدائية صرفة، وكانت الرقاع الصالحة لا وجود لها، بل كانت صحفهم - على ما يلوح - هي الحجارة الرقيقة وعظام أكتاف الحيوان وسعف النخل وقطع الخزف أو الجلد (كما كانت في مبدأ الإسلام)، وهي جميعا من شر الرقاع؛ إذ كان ذلك فقد أهملت تلك الكتابة طبعا وقل اهتمامهم بتكميل نواقصها وتحسينها، واضطروا لتخليد آثارهم وعواطفهم في تلك المناحي إلى اتخاذ أيسر طريق لهذا الغرض: الشعر. والشعر غناء موزون، عذب مألوف، يحلو تكراره فيسهل وعيه واستذكاره. كان شعرهم يفي لهم بتلك الأغراض ، ويغنيهم عن الكتابة والتدوين، وعن تعنية أنفسهم بتكميل صور حروف النغمات التي سرت إليهم من النبطيين أبناء جنسهم، وإزالة اشتراك كثير منها بين جملة من هذه النغمات. ولقد استمروا هكذا حتى أتى الإسلام فجرى على خطتهم شوطا طويلا، مع اختلاف العهدين والحضارتين - كما أسلفت - ومع فتح فارس والشام ومصر وغيرها، واتساع رقعة ما دخل تحت حكمه من البلاد.
وإذا سألتني: كيف كان النبطيون يدونون أعمالهم وقت قيام مملكتهم واستيلائهم على دمشق؟ فالجواب أيضا ميسور عتيد؛ كانوا يدونونها حتما بالرومية (اليونانية أو الرومانية) كما كانت دواوين المسلمين إلى عهد عبد الملك بن مروان يكتب فيها بالفارسية والرومية والقبطية.
وإذن فإني أرجوك يا سيدي أن تعدل عن قضيتك تلك، سواء أكانت من عندياتك أم كنت انتزعتها مما رويته عن القلقشندي، أو من أقوال اطلعت أنت عليها لغيره من العلماء. (3) أما إن كانت تلك القضية هي - على الرغم من ظاهر عبارتك وظاهر العبارة التي نقلتها عن القلقشندي - مجرد تقرير انتزعته من الواقع الآن في الخط العربي، أو انتزعه القلقشندي من الواقع فيه في عهده، فأنت وكل كاتب يقظ، بل حتى مثلي في قلة يقظته، كلنا نستطيع بمجرد مشاهدة الخط العربي الراهن، أن نقول إن حروفه المفردة مكونة من خطوط مستقيمات طويلات أو قصيرات، ومن أقواس منحنيات، تتناسب مع المستقيمات، وإن كثيرا من حروفه متشابهات، تميزها النقطات، ومواضع النقطات، وأعداد النقطات. فإدخال القلقشندي وأهل الصناعة لا يزيد في وزن هذا التقدير ولا ينقص منه. بل قد يظن أن الغرض منه إيهام أن الرأي تؤيده «دلائل العلم» وليس في المسألة للعلم أي أثر كما ترى.
على أنك يا سيدي لو ألقيت مثل هذه النظرة على الحروف اللاتينية التي قارنت بينها وبين العربية، لما وجدتها أيضا إلا مكونة من مستقيمات طويلات أو قصيرات، ومن أقواس منحنيات تتناسب كل التناسب مع المستقيمات؛ فهي والعربية في الحال الراهنة سائرتان على نظام واحد في التكوين. والفرق بينها وبين العربية عدم وجود المتشابهات المحتاجات للنقطات المميزات.
ثالثا: (1) وإذا كنت أنت يا سيدي ، اعتمادا على القلقشندي أو غيره، تعتبر أن التشابه مزية، وأن التفريق بالنقط مزية، ثم ترسل عبارتك في هذا الصدد موهمة أنهما مزيتان مقصودتان لواضعي الخط الأولين، لتبسيط الأشكال والتخفيف منها، وتعتبر كما قد أفهمه من عبارتك بطريق التخمين، أن الحروف اللاتينية أتت معقدة الأشكال لفقدها هاتين المزيتين، إذا كان هذا هو رأيك واعتبارك، حتى ولو كان قولك راجعا لا للواضعين الأولين من النبطيين والجاهليين، بل إلى مركز الخط العربي في عهد القلقشندي أو في يوم الناس هذا، أقول إذا كان هذا رأيك واعتبارك، فيفتح الله بيني وبينك. (2) واسمح لي يا سيدي أن أقدم لك اعتذاري عما أقوله من أني لم أفهم إلا بطريق التخمين أنك تعتبر أن الحروف اللاتينية أتت معقدة لفقدها هاتين المزيتين. عذري الذي أقدمه لك هو نص عبارتك في هذا الصدد؛ فأنا أضعه أمام نظرك لتعيد أنت قراءته: «إنه يظهر أنهم عنوا ببساطة الحروف فعمدوا إلى تخفيف الصور؛ لأن كثرة الصور داعية لتداخل الحروف، مما يؤدي إلى التعقيد، وهو ما وقع بالحروف اللاتينية التي تعقدت أشكالها وصورها، فاختلف بعضها عن بعض اختلافا بينا.»
إنه بقطع النظر عن أنك، في قولك أنت وفيما ترويه عن القلقشندي، لا تريح القارئ ببيان الاسم الظاهر، بل تستعمل ضمير جمع الغائبين، الذي إذا كان ظاهر عبارتكما مفهما أنه راجع إلى واضعي الخط العربي من أهل الجاهلية الأولى، فإنه قد يفهم - ولو من بعيد - أنه راجع إلى مركز الخط العربي في الوقت الحاضر أو في وقت القلقشندي. وهذا ضرب من التبهيم لا يجوز إتيانه ممن يحتج بالعلم ودلائله؛ لأن العلم لا يحتمل التبهيم، لا من قريب ولا من بعيد، بقطع النظر عن هذا، فهل تستطيع يا سيدي أن تفهمني معنى قولك: «إن كثرة الصور داعية لتداخل الحروف مما يؤدي إلى التعقيد؟» أنت يا سيدي في صدد الكلام على صور الحروف المفردة وأشكالها، وصدر جملتك الذي تقول فيه إنه يظهر أنهم عنوا ببساطة الحروف دال حتما على أنك تعني بلفظ «الحروف»، صور الحروف، ولا تعني بها النغمات؛ لأن النغمات يستحيل تبسيطها. والصور هي هي الأشكال، وهي هي الحروف على هذا المعنى الذي تحدد في صدر عبارتك تلك. وإذن يكون قولك: «إن كثرة الصور داعية لتداخل الحروف مما يؤدي إلى التعقيد.» يساوي بالضبط «إن كثرة الحروف داعية إلى تداخل الحروف.» فاحكم أنت هل لهذا القول معنى؟ وكيف يصح في العقل أن كثرة أشكال الحروف تدعو إلى تداخلها؟ وما معنى هذا التداخل؟ إن كان أحد يفهم هذا فما أغباني! وأخرى، هل يدرك أحد معنى لقولك: «وهو ما وقع بالحروف اللاتينية التي تعقدت صورها وأشكالها فاختلف بعضها عن بعض اختلافا بينا؟» إلام ترمي بأن الحروف اللاتينية اختلف بعضها عن بعض اختلافا بينا؟ وهل اختلاف أشكال الحروف الدالة على النغمات المختلفة أو على حركاتها، هو في نظرك أو نظر أي إنسان عيب ونقص؟ وكيف يصح هذا في العقل؟ إذا صح فما أغباني أيضا! ثم، كيف تسمي اختلاف صور الحروف تعقدا في أشكالها؟ كيف والعقل يقضي بأن الأشكال والصور إنما هي رسوم وتخطيطات، إن لم يتميز بعضها عن بعض بالمغايرة بينها، اشتبهت واشتركت ولم يتمحض كل منها للغرض المراد تخصيصه به؟ وإذا كانت المغايرة بين صور الحروف واجبة، فلماذا تسميها «تعقدا» وتعدل عن اسمها وهو «المغايرة»؟ وما مرادك هنا بكلمة «التعقد»؟ هل تعني معناها جادا؟ وهل سيدي، وهو يتقن الفرنسية - كما يؤخذ من استشهاداته في مقاله المحترم - لم يحفظ حروف هجائها اللاتينية، وهي ستة وعشرون لا غير، بما فيها من حروف الحركات، بل وجد اختلافها قد عقدها فعز عليه حفظها؟ إني أفهم أن كلمة التعقد تستعمل لو كنا في معرض استبدال الحروف الصينية أو اليابانية أو المصرية القديمة بالحروف العربية. إذن لجاز أن يقال إنها جميعا معقدة؛ لكثرة الذنبات فيها والتعرجات والتلافيف وصور الحيوانات والجمادات، وإن الذهن لا يحيط بتثنياتها وتعرجاتها إلا بعد المرانة وطول الإجهاد. أما في اللاتينية فلا، ثم لا، ثم لا. وفوق ما أسلفت، أفلا ترى يا سيدي أن بين جزءي عبارتك تناقضا واضحا ؟ في جزئها الأول جعلت كثرة الصور داعية إلى تداخلها. وليس للتداخل معنى - كما قد أفهم - إلا الامتزاج والاختلاط. وفي جزئها الثاني جعلت التداخل داعيا إلى التعقد، والتعقد داعيا إلى اختلاف الحروف اختلافا بينا، والاختلاف البين ضد بين للتداخل والاختلاط.
अज्ञात पृष्ठ