हुरुफ लातिनिय्या
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
शैलियों
وإني يا سيدي لأشكر لك جزيل الشكر ما أظهرت من الغيرة على لغتنا العربية، وما حاججت بكل فطنة ورجولة ونزاهة واتزان.
الثالث والعشرون:
إلى حضرة الأستاذ يوسف العش:
شد الله في ميدان الأدب أزرك، وأكثر من أمثالك الغير على العربية، المنقبين في مراقدها لإيقاظها من غفوتها، ووقاك في عملك الزلل، وجنبك فيه العثار. تحية يعجلني إليها ما استفتحت به مقالك المنشور في مجلة «الثقافة» من تلك العبارة المنصفة التي تقنع مخالفيك باستقامة ضميرك، وتشعرهم الأمنة وعدم التثريب عليهم في محاجتك، مهما يفيضوا في التقرير والإيضاح.
أما بعد، فإنك في المشكلة القائم فيها الخلاف، قد استصرخت علي «العلم» و«الفن»، وأشرت إلى أنك لن تستنصر إلا بهما، ولن تعول في محاجتك إلا عليهما، حتى إذا ما قضيا علي كان قضاؤهما حاسما لا تعقيب لي ولا لغيري عليه.
إنك بهذا التحكيم قد أزعجتني حقا؛ فإني متى ذكر «العلم» ضممت إلي ما اتسع من ثيابي، وتكمشت وتراجعت أمام هذا اللفظ الرهيب، محسا كأني حصاة ملح تذوب؛ ذلك أني عالجت شيئا من العلم في منحي ليس هو مراد العلم الصحيح، بل هو شيء قريب من واديه. وكلما أوغلت ازددت يقينا بعجزي وإيمانا بقوله تعالى:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
فأنا يا سيدي لا أخشى أحدا في هذا الوجود إلا العلم والعلماء، ولا أدين بعد عزة واجب الوجود إلا بعزة العلم والعلماء، ولا أنصاع وألقي سلاحي إلا أمام كلمة العلم والعلماء. إذا علمت هذه الحقيقة أدركت أني - عقب تلاوة عبارتك تلك - هلعت وظللت خائفا أترقب، وكدت أقضم الجزء الأول من مقالك قضما، وألتهمه التهاما. ثم انتظرت أسبوعا مشفقا قلقا حتى ظهر الثاني، وأسبوعا آخر على مثل الشوك حتى ظهر الثالث. بحثت ثلاثتها وفحصتها وفليتها، وأكلتها وشربتها؛ لعلي أشعر في شيء منها بأثر للعلم الذي أشرت إليه، في المشكلة القائم فيها الخلاف، فأستكين وأخضع صاغرا، ولكني مع الدهشة الشديدة، أو الاستفاقة الباسمة، لم أجد لهذا العلم في أيها أثرا، لا مرهفا قاطعا ولا مثلوما غير قاطع، فخرجت موقنا بأن حبك للعربية، وامتلاء عواطفك بجمال رسمها الحالي، وخوفك انقطاع الصلة بين حديثنا والقديم، كل تلك الطبائع المحمودة في ذاتها قد استجمعت لك على أشد ما تكون، فحرفت نظرك، فخلت قيام علم حيث لا علم. وأنا وغيري يصدق علينا دائما قولهم: «حبك الشيء ...»
إي وربي، إنه ليلوح لي أنك لولا تحكم تلك الطبائع الجميلة فيك لقررت بكل بساطة أن الكلام ما دام في رسم الكتابة وضرورة تصوير نغمات الألفاظ واتجاهاتها - على ما ينطق به أهلها - تصويرا دقيقا، يستعان فيه إما بإشارات «الشكل» المعروفة أو غيرها، وإما بحروف للحركات، لاتينية أو غير لاتينية، فإن العلم لا دخل له في شيء من هذا، بل إن جرجرته إلى مثل هذا الميدان تنزله من عرشه وتسقط هيبته.
أنت وأنا نذهب إلى السوق لنشتري سريرا لطفل، أو كرسيا لمريض كسيح، أو ثوبا لرجل أو لسيدة، فلو أنا - في أي ما أردنا من هذا - توقفنا حتى يقول العلم والعلماء، لضاقت علينا الأرض بما رحبت، ولكفرنا بالعلم والعلماء. إنما نحن في كل هذا نعتمد على البديهيات الحاصلة لنا بغريزتنا الإنسانية، وبما تكيفت وتربت به ملكة الحكم عندنا من المشاهدات والمقارنات. فنحن لا نتخير للطفل إلا سريرا صغيرا يكون على قدر مدته، ويستحيل علينا - عادة - أن نختار له شيئا من أسرة الكبار. والكرسي ما دام لكسيح فإننا لا نختاره إلا مما يجري على عجلات، ويكون مناسبا لقد المريض وقعدته وضجعته، موفيا براحة جسمه. والثوب لا نتخيره إلا مما اعتاد الرجال لبسه إن كان لرجل، وإلا فمما اعتادته النساء. وكل هذه أمور لا شأن للعلم بها، بل هي من الضروريات المسلمات.
अज्ञात पृष्ठ