हुरुफ लातिनिय्या
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
शैलियों
أسباب تأخر الشرقيين.» فهب المتحمسون صائحين: كيف تقوله والحال أن تأخر الشرقيين له أسباب أخرى ليس منها صعوبات العربية ومشقاتها؟ كيف تقوله واللغة تابعة لقوة أهلها تزدهر إبان قوتهم وتضعف إبان اضمحلالهم؟ كانت العربية مزدهرة في صدر الإسلام ثم انحطت حين اضمحلت بلاد العربية بما انتابها من الأحداث وبانحراف أهلها من مقررات الدين.
هذا اعتراض «دون كيشوت
Don Quichotte » يضرب بسيفه الخشبي في أطباق الهواء ليمزق الهواء. إني أتكلم عن حال العربية الآن، بعد نيف وألف سنة من صدر الإسلام، وهم يتحدونني بصدر الإسلام! إني أتكلم عن حالها في عصر الناس الحاضر وما تغلغل في بلاد العربية من الأجانب ومن لغات الأجانب، وما قام في مصر وفلسطين ولبنان والشام والعراق وتونس والجزائر وطنجة ومراكش وباقي بلاد العربية من معاهد تنشر فيها الفرنسية والإنجليزية وغيرهما من لغات أمم الحضارة السهلة المأخذ، البعيد رسمها عن التعقد والارتباك. إني أنظر إلى الطبيب والصيدلي والكيمائي وخريج كلية العلوم الذي لا يستطيع أن يتقن الفصحى، وعربيته هو لا تؤاتيه في تعليم الناس ما يجول بخاطره من الأفكار، فيميت فكرته ويحرم منها مواطنيه، وإن نشرها فبلغة أجنبية لا يفهمها سواد المواطنين. وإذا كانت جماهير الأمم إنما تتقدم الآن أو تتأخر بمقدار ما ينشر فيهم وما يفهمونه من مسائل العلوم، فلا شك أن مشقات العربية من أسباب تأخر الشرقيين، بل إني إزاء هذا الاعتراض التهريجي لا أحجم عن القول بأنها أهم أسباب تأخر الشرقيين. تتناحر ألمانيا والروسيا وإنجلترا وأمريكا لتنفذ في العالم إرادة أيتها تستقل بالغلبة، وكل واحدة منها تعتمد في قوتها على العلم دون سواه. وسفير العلم اللغة منطوقة أو مكتوبة، وليس له سواها من سفير، فإذا تعقدت وارتبكت اضمحل العلم في أهلها فاضمحلوا وتأخروا بلا نزاع.
على أني قد أمسك عن مناقشة هؤلاء المتحمسين، فلا أقول لهم إن ازدهار العربية في صدر الإسلام إنما كان لقرب أبنائها من آبائهم الأولين.
5
ولا أقول لهم إن المجمع اللغوي أمامه كثير من الاصطلاحات العلمية يحاول ترجمتها إلى العربية فلا يستطيع؛ لأن مدلولاتها حديثة الوجود، غريبة عن العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام، فيضطر إلى تعريبها بلفظها الأجنبي وإخراجها في ثوب من الرسم العربي، فتجيء متنكرة المعالم لا يفهم أصلها ولا فصلها أحد من سواد الجماهير. ولا أقول لهم كفوا عن الاحتجاج بمقررات الدين؛ فإن حالنا اليوم في الدين خير من حال أغلبية من أتى بعد الخلفاء الراشدين من المسلمين الأولين . قد أمسك عن مثل هذا، وآخذ قولهم قضية مسلمة، ثم أسألهم: متى يا ترى تفيء القوة من غيبتها وتتبوأ بلاد العربية حتى يرجع إلى العربية ما كان لها في الصدر الأول من الازدهار؟ أنبئوني عما قرأتموه في النجوم عن هذا الموعد المرقوب. ألعل لكم من الخليج الفارسي إلى مراكش، ومن حضرموت إلى حلب، جيوشا جرارة، ومدافع هدارة، ومراكب بر سيارة، وسفنا مخارة، تقرب لكم يوم القوة ويوم ازدهار اللغة الموعود، ولكنكم تخبئونها تحت جناح القدر، فلا أرى لها أثرا، ولا أحس لها ركزا، ولا أسمع عنها خبرا من الأخبار؟!
واجهوا الحقائق، سهلوا صعاب الفصحى فإنه ليس لنا عنها محيص، سهلوا قبل كل شيء رسم كتابتها المعقد السخيف، حرروها منه، تفهمكم وتفهموها، ووفروا وقتكم لتفتيش مخابئها؛ فلعل فيها ما قد ينفعكم في الحال والمآل. واحتفظوا بقرائحكم تشحذوها في علم نافع وغرض مفيد. واعلموا أن الغيب لله إن شاء استجاب لنا فرفعنا مما نحن فيه، وإن شاء لم يستجب. فاعملوا ليومكم الذي أنتم فيه كما يعمل العقلاء. ادخروا منه لغدكم، فإن قواكم الله - كما هو رجاؤنا - كنتم على استعداد للاستمتاع بقوتكم، وإن كانت الأخرى - لا قدر الله - رحتم مؤدين واجبكم كراما مأجورين. لا تتحككوا كذبا ورياء بمقررات الدين؛ فوقت هذا قد فات. ولا تتطوحوا في الحماسيات الصبيانية باسم الآباء؛ فزمنها قد مات، وشر البرية من تمحك باطلا بالدين، وأكل خبزه خداعا باسم الدين، وأعجز الناس من استنام على ذكرى الآباء ومجادة الأجداد.
الثامن عشر:
يقولون ما حاصله: عد عما
العربية اليوم في دور النهوض، وأن العامية تقترب من الفصحى؛ وذلك بفضل الجرائد ومؤلفات الأدباء، وبفضل الخطباء في المجامع وفي المذياع، وفضل المحامين في دور القضاء، وأنه لن يمضي إلا قليل حتى تزول الأمية ويصبح الناس جميعا يقرءون ويفهمون الكتب والجرائد والمجلات، وحتى لا يكون بين العامية والفصحى إلا قاب قوسين أو أدنى.
अज्ञात पृष्ठ