توقفت الحافلة الآن عند أول بلدة على الطريق، وكانت نقطة الوقوف هي إحدى محطات الوقود. كانت محطة الوقود التي اعتادت هي وكلارك أن يذهبا إليها بالسيارة، في أولى أيام حياتهما معا، للتزود بوقود زهيد الثمن. وفي تلك الأيام، ضم عالمهما العديد من البلدات التي تحيط بالريف، وكانا يتصرفان كالسائحين؛ يتذوقان بعضا من عينات الطعام الذي تقدمه حانات الفنادق الزهيدة مثل أقدام الخنزير، أو الكرنب المخلل المخمر، أو فطائر البطاطس، أو الجعة، ثم يشدوان بالأغاني في طريق عودتهما للمنزل مثل الحمقى.
ولكنهما بعد فترة اعتبرا تلك النزهات مضيعة للوقت والنقود، كانا يفعلان كما يفعل الناس قبل أن يدركوا حقيقة حياتهم.
كانت تبكي الآن؛ اغرورقت عيناها بالدموع من دون أن تدري، وأخذت تفكر في تورونتو، وأولى خطواتها القادمة هناك؛ سيارة الأجرة، المنزل الذي لم تره من قبل، الفراش الغريب الذي ستنام عليه بمفردها، وغدا سوف تنظر في دليل الهاتف بحثا عن عناوين الإسطبلات التي تدرب من يريد على ركوب الخيل، ثم تذهب إلى عناوينها بحثا عن وظيفة لها هناك.
لم تستطع تخيل نفسها هناك، وهي تركب قطار الأنفاق، أو الترام، أو وهي تعتني بخيول جديدة، تتحدث إلى أشخاص جدد، تحيا على نحو يومي وسط حشود من البشر ليس من بينهم كلارك.
إنها حياة ومكان اختارتهما لهذا السبب بالتحديد؛ أن تكون حياة ليس فيها كلارك.
والشيء الغريب والمفزع الذي ظهر جليا أمامها بشأن ذلك العالم المستقبلي، كما تتخيله الآن، هو أنها لن تكون موجودة فيه؛ فقط ستتجول هنا وهناك، ستفتح فمها وتتحدث، ستفعل هذا وذاك، ولكنها لن تكون جزءا منه في حقيقة الأمر؛ لن تنتمي إليه. والغريب والمتناقض في ذلك هو أنها تفعل كل هذا، وتستقل تلك الحافلة على أمل استعادة نفسها. وكما تقول السيدة جاميسون - وكما كانت تقول هي ذاتها بنوع من الرضا - «تتولى مسئولية حياتها» من دون أن يكون هناك أحد يصب جام غضبه عليها، أو يسبب لها مزاجه المتقلب الكثير من التعاسة.
ولكن ما الذي ستهتم بشأنه؟ ما الذي سيشعرها أنها تحيا؟
وبينما كانت تهرب مبتعدة عنه - الآن - لا يزال كلارك يحتفظ بمكانه في حياتها، ولكن بعد أن تنجح في الهروب، وتستمر في حياتها، ما الذي ستضعه في مكانه؟ ما عساه - أو من عساه - يرقى لذلك التحدي ويحل محله؟
استطاعت أن تتوقف عن البكاء، ولكن سرت في جسدها رعدة. كانت في حالة سيئة، ولكن كان عليها أن تكون أكثر قوة، كان عليها أن تتماسك. كان كلارك يقول لها في بعض الأحيان وهو يدلف إلى إحدى الغرف التي انكمشت بداخلها محاولة كبت دموعها: «عليك أن تتماسكي.» وهو الشيء الذي عليها أن تفعله حقا الآن.
توقفت الحافلة في بلدة أخرى. كانت البلدة الثالثة التي بلغوها منذ استقلت الحافلة، مما يعني أنهم مروا ببلدة أخرى دون أن تلاحظ هي ذلك؛ فلا بد وأن الحافلة قد توقفت، وأن السائق قد ردد اسم البلدة، ولكنها لم تسمع أو ترى شيئا في خضم موجة الخوف التي اعترتها. وسرعان ما سيصلون إلى الطريق السريع الرئيسي، وسيهرعون مباشرة نحو تورونتو.
अज्ञात पृष्ठ