قالت لها السيدة ترافرس: «يمكنك قراءة أي شيء تفضلينه، أو بمقدورك أن تستريحي وتأخذي قسطا من النوم إن كان هذا ما تريدين. إنها لوظيفة شاقة، ولا بد أنك متعبة، وسوف أنتبه إلى إعادتك في الوقت المناسب.»
لم تنم جريس قط، لكنها كانت تقرأ. كانت نادرا ما تتحرك، ومن أسفل سروالها القصير، كانت تظهر ساقاها العاريتان وقد كساهما العرق والتصقتا بالأريكة. ربما كان هذا بسبب متعة القراءة الشديدة. وكانت في العادة لا تلمح أي أثر للسيدة ترافرس حتى يحين موعد عودتها إلى عملها حيث تقوم بتوصيلها مرة أخرى.
لم تكن السيدة ترافرس لتبدأ أي نوع من المحادثة حتى يمر وقت كاف تتحرر خلاله جريس من أفكار الكتاب الذي كانت منهمكة في قراءته، ثم تذكر أنها هي نفسها قرأته من قبل، وتفصح عن رأيها فيه، لكن بأسلوب يحترم الرأي المخالف ويتسم بالمرح في الوقت نفسه؛ فقد قالت على سبيل المثال بشأن رواية «آنا كارنينا»: «لا أذكر عدد المرات التي قرأت فيها هذه الرواية، لكني في البداية تعاطفت مع كيتي، ثم مع آنا. أوه لقد كان الأمر فظيعا مع آنا، والآن أتدرين لقد وجدت نفسي في المرة الأخيرة أتعاطف طوال الوقت مع دوللي، عندما ذهبت إلى الريف بصحبة كل هؤلاء الأطفال، وكان عليها أن تعرف كيف تقوم بالتنظيف، وكانت ثمة مشكلة في أحواض الغسيل. أترين كيف تتغير درجات تعاطفك كلما تقدمت في العمر؟ فالعواطف قد تتوارى خلف أحواض الغسيل. لا تنتبهي إلى كلامي على أي حال. إنك لا تنصتين إلي، أليس كذلك؟» «لا أدري إن كنت أنصت لأحد على الإطلاق.» شعرت جريس بالدهشة من ردها، وتساءلت إن كانت بدت متغطرسة أم ساذجة، وأردفت قائلة: «لكني أحب الإنصات لحديثك.»
ضحكت السيدة ترافرس قائلة: «إنني أحب الإنصات لنفسي.» •••
في تلك الفترة بدأ موري يتحدث بطريقة ما عن زواجهما، وأنه لن يكون ذلك إلا بعد فترة؛ حتى يصبح مؤهلا تماما ويعمل مهندسا، ولكنه كان يتكلم عن ذلك الأمر وكأنه يتكلم عن شيء تأخذه هي أيضا - مثله - كأمر مسلم به. وعندما كان يقول «حينما نتزوج» كانت جريس تنصت إليه بفضول بدلا من التشكيك في ذلك أو معارضته.
بعد الزواج سيكون لهما منزل بالقرب من بحيرة ليتل سابوت، ولن يكون شديد القرب من منزل والديه، ولن يبعد عنه كثيرا في نفس الوقت، وسيكون بالطبع مكانا لقضاء فصل الصيف فقط. أما أغلب الوقت فسيعيشان في المكان الذي يتطلبه عمله كمهندس. وقد يكون هذا في أي مكان؛ في بيرو، أو العراق، أو الأقاليم الشمالية الغربية. وسعدت جريس بفكرة السفر هذه أكثر من سعادتها بالفكرة التي يتحدث عنها بفخر وهو يتحدث عن «منزلنا الخاص معا». لم يبد أي من هذا واقعيا بالنسبة لها، إلا أنها وجدت أيضا أن فكرة مساعدة عمها والعمل في صناعة كراسي من الخيزران في المدينة والمنزل الذي نشأت فيه لم تكن واقعية هي الأخرى.
ألح موري في سؤالها عما أخبرت به عمها وعمتها عنه، ومتى ستصحبه لمنزلها حتى يلتقي بهما. حتى استخدامه المبسط لتلك الكلمة «منزلها» بدا غريبا بعض الشيء بالنسبة لها، بالرغم من أنها هي نفسها كانت تستخدمها. بدا من الأنسب أن تقول بيت عمي وعمتي.
لم تذكر لهما شيئا بخصوصه في الواقع في رسائلها الأسبوعية المقتضبة ، فيما عدا أنها ذكرت أنها «تخرج مع شاب يعمل هنا في فترة الصيف.» ربما أعطتهم الانطباع بأنه يعمل في أحد الفنادق.
لا تكمن المسألة في أنها لا تفكر في الزواج مطلقا؛ إذ كانت تلك الاحتمالية، شبه المؤكدة، ترد إلى ذهنها دوما حينما تفكر في حياتها وهي تعمل في صناعة مقاعد الخيزران. وبالرغم من أن أحدا لم يحاول أن يخطب ودها، فإنها كانت تعتقد أن ذلك قد يحدث في يوم من الأيام وبهذه الطريقة تماما، ومع رجل يتخذ قراره على الفور - قد يأتي ربما لإصلاح أحد المقاعد - وبمجرد رؤيتها يقع في حبها على الفور. سيكون وسيما مثل موري، متأجج العواطف مثل موري، وسيعقب ذلك تلك اللقاءات الحميمية الجسدية الممتعة.
وكان هذا هو الشيء الذي لم يحدث بينهما. كانت هي راغبة في ذلك سواء في سيارة موري، أو بالخارج فوق الحشائش أسفل ضوء النجوم. وكان موري مستعدا، لكنه لم يكن راغبا؛ فقد كان يشعر أن من مسئوليته أن يحميها. وكذلك فإن السهولة التي عرضت بها نفسها عليه قد أفقدته توازنه. وربما شعر أن العرض جاء ببرود؛ عرضا متعمدا لم يستطع أن يفهمه، ولا يتناسب تماما مع أفكاره عنها. هي ذاتها لم تفهم كيف كانت تتسم بالبرود هكذا؛ فقد كانت تعتقد أن إظهار مدى شغفها لا بد أن يقودها إلى المتعة التي عرفتها في عزلتها وفي خيالها، وقد شعرت أنه دور موري أن يتولى زمام الأمور، لكنه لم يفعل.
अज्ञात पृष्ठ