هبلتك أمك لو نزلت عليهم
ضمنوك من جوع ومن إقراف
الآخذون العهد من آفاقها
والراحلون لرحلة الإيلاف
10
أما القرآن الكريم، فكان بصدق تبليغه، مفصحا، موجزا، مبلغا ببلاغته أمر الإيلاف وعلاقته بالأمن، وبالبيت الإلهي المكي، في قول الآيات - في سورة تحمل اسم قريش:
لإيلاف قريش *إيلافهم رحلة الشتاء والصيف *فليعبدوا رب هذا البيت *الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
وقد هيأ مكة للقيام بهذا الدور التاريخي، مجموعة متسارعة من الأحداث، وظروف تلاحقت لتتراكم على صفحة المنطقة وتتوزع على خريطتها؛ حيث كان مركز اليمن الزراعي والتجاري قد تهاوى قبل العصر الجاهلي الأخير بزمان، بينما تضعضعت أحوال الممالك العربية الشمالية (الغساسنة والمناذرة) في العصر الجاهلي الأخير، قبل الإسلام بفترة وجيزة، ووقعت تحت الاحتلال المباشر من الفرس والروم، وهو ما أحدث - ولا شك - فراغا سياسيا في المنطقة الممتدة من سواحل المحيط الهندي جنوبا، وحتى الخط الفاصل بين الإمبراطوريتين في بادية الشام شمالا.
وقد ساعد على رسم تلك الخريطة السياسية، انهيار مجموعة طرق أخرى لم يبق آمنا من بينها سوى الطريق المار بمكة، قادما من موانئ اليمن ليتجه شمالا، ثم يتفرع إلى فرعين نحو فارس شرقا وروما شمالا وغربا في داخل الحدود الفلسطينية والمصرية. وكان انهيار مجموعة الطرق التجارية الأخرى راجعا إلى تلك الحرب الطويلة الضروس، التي دارت بين الفرس والروم ، ومطاردة كل منهما الأخرى في كافة المواضع الممكن الوصول إليها لقطعها. ولم يبق في المنطقة آنذاك طريق مأمون، سوى الطريق البري المار بمكة، لمنعته الصحراوية على غير أهله، مما انتهى به إلى طريق أوحد مؤهل للقيام بأمر تجارة العالم؛ وهو ما أدى إلى تحول مكة عن وضعها زمن «قصي بن كلاب» كمحطة ترانزيت كبرى قابضة للعشور، إلى مركز للأرستقراطية المكية التجارية في العصر الجاهلي الأخير؛ حيث تمكنت تلك الأرستقراطية بتراكم رأس مال العشور والتجارات الصغيرة، من الانتقال عن قبض العشور إلى شراء البضائع القادمة من المحيط الهندي وموانئ اليمن، والاتجار بها لحساب تلك الأرستقراطية، لتمسك عندها بعنان تجارة عالم ذلك الزمان.
11
अज्ञात पृष्ठ