ومن ثم؛ فإن موقف «ابن سلول» إنما يعني عدم أخذه الوعد الإلهي مأخذ الجد، واعتماده معطيات الواقع فقط في اتخاذ القرار، مما يشير إلى عدم إيمان حقيقي. لكن الواجب هنا التنبيه إلى أن «ابن سلول» وهو يدعو إلى عدم الخروج من يثرب، وإشارته إلى أنه ما هاجمها أحد وانتصر، إنما يعني اعتمادا واثقا على حصانة يثرب، وما بها من حصون وآطام. كما يعني أن الرجل يغامر بمدينته وأهله بالكامل في حال انتصار المهاجمين، وهو احتمال وارد أمام العدد الهائل لجيش قريش، وإن كان ضعيفا . وهي مغامرة قبلها على بلده وأهله، مع خيار النصر المحتمل في رد المهاجمين، مفضلا ذلك على أن تنزل بالمسلمين إذا خرجوا هزيمة محققة، قد يفنى فيها الرجال جميعا. وهو نصح لو أخذناه بإنصاف لأنصفنا الصدق والحق على الأقل؛ خاصة أن ما حدث في وقعة أحد بعد ذلك، كان هزيمة حقيقية للمسلمين على مستويات عدة.
وكانت تلك الهزيمة النكراء لجيش المسلمين، مدعاة لمحاولة بعض المفسرين القول: إن وعد الآيات بالإمداد بالثلاثة وبالخمسة آلاف ملك، كان يوم النصر البدري، وليس يوم أحد. بينما وقف آخرون موقفا صارما، يلتزم التاريخ وأسباب النزول وسياق الآيات في السور مقارنا بالحدث، بحجج فقهية تؤكد أن الآيات نزلت في أحد تحفيزا للمسلمين. أما السر في عدم انتصار المسلمين - رغم هذا المدد العظيم، وهو ما كان يعني عدم نزول الملائكة، لأنهم لو جاءوا لحققوا نصرا سهلا دون جهد يذكر من المسلمين - فهو أن الإمداد كان معلقا بشرط، هو التقوى ومصابرة عدوهم. لكن المسلمين لم يصبروا بل فروا، فسقط الشرط، فتوقف الإمداد، ولم يمدوا بملك واحد. أما ذكر بدر في الآيات السالفة فقد جاء اعتراضا في سياق آيات أحد، تذكيرا بنعمة الله على المؤمنين ونصره لهم في بدر رغم ضعفهم ومذلتهم، ليحفزهم على خوض أحد بذات الثقة في نصر الله. مع حجة أخيرة تقول: إن القصة الواردة في سورة آل عمران هي قصة أحد وحدها مستوفاة مطولة، وإن مقارنتها بسورة الأنفال التي تعلقت ببدر، يقطع باليقين أن الآيات نزلت في أحد وليس في بدر.
11 (1) وقائع أحد
وتجمع كل كتب السير والأخبار، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، كان يكره الخروج إلى أحد، لكنه خرج لرغبة أصحابه. ولما لبس لامته، جاءه الذين استكرهوه على الخروج يراجعون موقفهم ويعتذرون، فكان رد النبي: ما كان لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحارب. وجعل النبي لأصحابه في ذلك اليوم شعارا يشبه شعار بدر، مع اختلاف بسيط، فقد أسقط من شعار بدر «يا منصور»، ليصبح بدلا من «يا منصور أمت» كلمة واحدة تقول : «أمت، أمت».
12
وعند خروج النبي إلى أحد قال له الأنصار:
يا رسول الله، ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟
فقال: لا حاجة لنا فيهم.
13
अज्ञात पृष्ठ