فقتلهم علي ﵁ وأصحابه، وسر أمير المؤمنين بقتلهم سرورا شديدا وسجد لله شكرا، لما ظهر فيهم علامتهم وهو المخدج اليد، الذي على يده مثل البضعة من اللحم، عليها شعرات، فاتفق جميع الصحابة على استحلال قتالهم، وندم كثير منهم كابن عمر وغيره على ألا يكونوا شهدوا قتالهم مع أمير المؤمنين، بخلاف ما جرى في وقعة الجمل وصفين، فإن أمير المؤمنين كان متوجعا لذلك القتال، مشتكيا مما جرى، ويتراجع هو وابنه الحسن القول فيه، ويذكر له الحسن أن رأيه ألا يفعله.
فلا يستوي ما سر قلب أمير المؤمنين وأصحابه وغبطه به من لم يشهده، مع ما تواتر عن النبي ﷺ، وساء قلب أفضل أهل بيته، حب النبي ﷺ، الذي قال فيه: "اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه".
وإن كان أمير المؤمنين هو أولى بالحق ممن قاتله في جميع حروبه.
ولا يستوي القتلى الذين صلى عليهم وسماهم وإخواننا، والقتلى الذين لم يصل عليهم، بل قيل له: من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقال: هم أهل حروراء.
فهذا الفرق بين أهل حروراء وبين غيرهم الذي سماه أمير المؤمنين في خلافته بقوله وفعله موافقا فيه لكتاب الله وسنة نبيه هو الصواب الذي لا معدل عنه لمن هدى رشده، وإن كان كثير من علماء السلف والخلف لا يهتدون لهذا الفرقان، بل يجعلون السيرة في الجميع واحدة.
فإما أن يقصروا بالخوارج عما يستحقونه من البعض واللعنة والعقوبة والقتل، وإما أن يزيدوا على غيرهم ما يستحقونه من ذلك.
1 / 36