وإذن فهي أربعة لها شأن متميز هو أنها أربعة حرم ، ودين قيم ، ولها موقع خاص هي أنها قيام للناس ومثابة وموسم للحج لله والإنابة له ولهذا فإن الله يعلنها لنا بوضوح ويقول (الحج أشهر معلومات) نعم معلومات فمن ذا الذي يجهل العلم بها ، إنها معلومة للناس كلها مسلمها وكافرها ، أولها وآخرها ، معلومة لكل الأنبياء والمرسلين وأممها ، ولهذا كان الجاهليون يتحايلون عليها وعلى حرماتها ويلجئون إلى النسيء وهو كفر وضلال وظلام ، ليواطئوا عدة ما حرم الله في الأشهر الحرم، فيحلوا بضلالهم ما حرم الله فيها على الأنام على مدى الأيام والأعوام ، زين لهم سوء عملهم ، فضلوا عن سبيل ربهم ، فتركهم الله لضلالهم (والله لا يهدي القوم الكافرين) التوبة 37 ، وإذن فنحن يجب أن نحترم هذه الأشهر المعلومة ، وأن نستمر على ما كتبه الله لها ، وبها علينا ، إن كنا أمة مسلمة. فإن إقامة الأشهر الحرم ، هو الدين القيم ، وما إقامتها إلا بأن نتبع ما كتب الله فيها وهو الحج ،
قد تسألون بانبهار: هل تعني أنها موسم للحج الأكبر؟ وأقول نعم إن الأشهر الحرم الأربعة هي موسم للحج ، وأن علينا أن نحج فيها ، وأن نقيم شعائر الحج ومناسكه فيها كلها بلا ارتياب ولا تردد ، وإلا كنا واقعين في الشك الذي وقع فيه الجاهليون ، وكنا لكتاب الله ناسين ، وفي آياته مرتابين ، ولنظامه الكوني مخالفين ، وعن إرادته منحرفين ، وعن نعمته مبتعدين ، وللضلال مقتربين ، والله لا يهدي إلا من اهتدى ، فلنهتد بهداه يزدنا هدى. إذن فالحج يصلح أن يقام وتؤدى مناسكه في الأشهر الأربعة :
]رجب الفرد[ و]ذي القعدة[ و]ذي الحجة[ و]محرم[
1 ................... 2 .......... 3 ..........4
إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وبراها وعادت الأشهر الحرم محددة معلومة ، لكل أهل الأرض والسماء ، وانمحى النسيء الذي ضل به الكافرون ، وأضلوا كثيرا ، وضلوا عن سواء السبيل ، وجاء الرسول الخاتم محمد الأمين صلى الله عليه وسلم ليعلن أن الأشهر الحرم هي تلك التي حددها الله العليم الحكيم ، وهذا هو الدين القيم ، وجعلها موسما للعمل الصالح السليم ، ومثابة للناس يتوبون فيها للحق والصراط المستقيم، وقياما للناس يقيمون فيها منارات التحريم لما حرم الله من الدماء والأعراض والأموال. ويرفعون فيها رايات ما شائه الله وارتضاه ، من صالح الأعمال ، ثم وليستمر التحريم في حياتهم طوال الأعوام ، ويستقيم العمل الصالح مدى الأيام ، فما الأشهر الحرم إلا محطات نموذجيه للتزود منها في مسيرة الناس ، إلى كل الأرض والأقطار والأوطان ، وإلى كل الأيام والشهور والأزمان ، فتبقى الأرض كلها حرما آمنا ، ويستمر الزمن كله أشهرا حرما ، ويستقيم الناس على العمل الصالح والتقوى ، متسلحين بذكر الله جل وعلا ، مستنيرين بهداه الذي من اتبعه فلا يضل ولا يشقى ، وهذا هو الذي يجعل الحج لله على الناس من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عنه أبدا.
ولهذا أقول مع احترامي لهؤلاء العلماء الأعلام ، والمجتهدين الكرام أنهم كلهم خرجوا عن النص ، وأبطلوا ما في الآية من المعاني ، وحملوا الآية معنى لا يتفق مع البيان القرآني ، ولا يقره اللسان العربي البياني ، فالله يقول وهو العليم الحكيم ، وهو الذي علمنا اللغة والكلام (الحج أشهر معلومات) إن (أشهر) جمع قله ، يدل على أنها أربعة ، ولهذا قال في آية التوبة (إن عدة الشهور) فأتى بجمع الكثرة ، فكيف تحول جمع أشهر إلى شهر وعشرة أيام؟ وكيف جاز أن يطلق الجمع على المفرد وجزء من المفرد؟؟ إن هذا لا يقول به أحد عربي ، بل حتى العجمي الذي لا يعرف اللسان العربي ، سينكر هذا التفسير العددي لكلمة (أشهر) فكيف بأئمة البيان العربي ، ومجتهدي الفقه الإسلامي.
لقد اجتهدوا وأخطئوا والمخطئ له أجر ، فلهم الأجر. ولكن ليس علينا أن نتبعهم في التفسير للأشهر بأنها شهر ، بل لا بد أن نفهم الآية على معناها الصحيح الواضح بأن (الحج أشهر معلومات) يعني أنها الأشهر المعلومة منذ خلق الله الأرض والسموات . وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، هذه هي الأشهر المعلومات لكل الناس ، لمن يأتي منهم ، ولمن مات وللرسالات والنبوءات ، بلا استثناء ولا تأويلات ، فكيف نجعل أشهر الحج المعلومات ، أقل مما تعنيه الكلمات؟!! إن هذا تقصير لا يرضاه إلا من لا يفهم البينات.
قد تقولون كيف تأتي في آخر الزمان ، وبعد مضي القرون من نزول القرآن ، لتقول لنا أن الحج يصح أن يقام في الأشهر الأربعة المعلومات؟ إن هذا مقال لم يقله أحد من أهل الفقه ، ولا أحد من علماء اللغة؟!!لكني أقول أن القرآن هو قمة اللغة ، بل هو أصل اللغة ، وهو البيان الذي يتعلم منه أهل البيان ، وهو الحكم الذي يحتكم إليه كل فقيه ، ممن تأخر أو تقدم ، وأنا قد فقهت من الآيات ما لم يفقه السابقون ، لأني جئت في زمن لم يدركوا ما فيه من تطورات . فهم كانوا يظنون أن السفر الطويل والمسافات المتطاولات يحتم على الناس أن يحجوا في شهر واحد ، وذلك مبلغ الاستطاعة ، ومنتهى الجهد لكل جماعة ، لكن الزمن الآن قد قرب المسافات وقصر السفر وجعل كل فج عميق ، قريبا من البيت العتيق ، وصير كل الناس قادرين على الفرض بلا معيق ، وسهل صعوبة الانتقال وسير الطريق ، فلم يعد السفر مرهقا ، ولم يعد الطريق شاقا ، ولم يعد بين المشرق والمغرب فارقا ، فالبعد الشاسع قد التفق ، والبون الواسع قد ارتتق ، والحلم الغامض قد تحقق . فأصبح العميق من الفجاج ، سهلا قريبا للحجاج ، وأصبح الأذان في الناس بالحج ، يصل إلى كل قمة وفج ، يحمله الأثير والأقمار ، وتستقبله الأسر والديار ، بلا تفريق بين عرب وعجم ، وبين الأفراد والأمم. فكيفلا يبادر الناس بالحج جماعات ووحدانا ،وكيفلا يأتون من كل فج عميق ، رجالا وركبانا ،
وكيفلا يأتون سراعا ، على كل ضامر ، في البر سائر ، أو للبحر ماخر ، أو في الجو طائر ، فالطائرات والسيارات والبواخر ، كلها يصح أن توصف بالمركب الضامر ، فالكلمة القرآنية دقيقة الدلالة ، تصلح لكل مركوب حيواني أو آله ، فالخيل والبغال ، والحمير والجمال الضوامر ، مثلها الطائرات والقطارات والسيارات والبواخر ، كلها ناقله للأثقال ، سريعة الانتقال ، ضامرة البطون والأطوال ، فالوصف شامل للجميع ، منطبق على الحي والمصنوع ، وكلها من خلق الله البديع .فالانتقال على المستحدث من الآلات ، أصبح يدفع الناس إلى الحج زرافات ، ومن كل القرى والقارات ، ومن البيوت والمؤسسات ،
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن مكة لا بد أن تتسع للجميع ، ولا بد أن تستقبل الناس مهما كثرت الجموع ، لأن الفريضة واجبة ، فكيف نطلب من المستطيع أن يتراخى عن واجبه ، وكيف نطلب من المسلم أن ينتظر الأداء ، وهو لا يدري ماذا يكسب غدا ؟؟ إن هذا صد عن سبيل الله واعتداء ، بل وإلحاد وظلم عظيم يوردنا العذاب الأليم ، فما هو الحل أيها الناس العقلاء ، وما هو المخرج من هذه الظلماء ، إنه في القرآن الذي هو الحق والهدى للإنسان ، وفيه البينات والفرقان ، وفيه العلم الذي يهدي إلى الإحسان ، لقد قال الله (الحج أشهر معلومات) فاجعلوا الحج في هذه الأشهر المعلومات ، التي هي أربعة حرم منذ خلقت الأرض والسموات ، وذلك هو الدين القيم ، والطريق الأسلم ، والعمل الأقوم ، أوليس الله هو العليم الحكيم ، الهادي للصراط المستقيم ، أوليس هو المنزل للقرآن هدى للعالمين ، وبلسان عربي مبين ؟؟؟ بلى بلى .. إن هذا هو الحق الذي نزل به الروح الأمين ، على قلب خاتم النبيين .فإذن فلنفهم الكلمات كما اقتضت وأبانت ، ولنعمل بها كما جاءت ، بلا التواء ولا مراء ، فالبيان واضح الجلاء ، والأيام مشعة الضياء ، فلماذا الإنغماس بها في ظلماء ، ولماذا تفسيرها بما يخالف المعنى ، إن هذا هو الغباء ، والغفول الذي به الله لا يرضى ، وكيفلا وقد قال (الحج أشهر معلومات) إنها كلمات واضحة المعنى ، بينة الدلالات ، وإذا أردتم للمعنى وضوحا أوفر، وشئتم تأكيدا يكشف المعنى أكثر ، فاسمعوا ما قال الله بعد ذلك (فمن فرض فيهن الحج) أكرر (فمن فرض فيهن الحج) أكرر (فمن فرض فيهن الحج) أكررها ثلاث مرات لتتأكدوا من وضوح الدلالات فكلمة (فيهن) تعني أن للإنسان أن يفرض الحج في أي شهر (فيهن) في أي واحد من الأربعة الأشهر المعلومات (فمن فرض فيهن الحج).
अज्ञात पृष्ठ