बुद्धिजीवियों की चिंताएँ

ज़ाकी नजीब महमूद d. 1414 AH
46

बुद्धिजीवियों की चिंताएँ

هموم المثقفين

शैलियों

فماذا ترين يا شهرزاد في مدينة الورق وما يخط على الورق من حروف فتتحقق لأهلها كل الأهداف؟

قالت شهرزاد: إنها يا مولاي لمدينة فاقت في غرابتها غرابة ما رويته لك من حكايات ملئت بالعجائب، وفوق كل عجيبة عجيبة أعجب، لكن لماذا أثارت فيك مدينة الورق وما عليه من كلمات سحرية، كل هذا الاهتمام يا مولاي؟

فأجابها شهريار الملك قائلا: كان أعجب ما ورد في الكتاب عن تلك المدينة، مما استوقف انتباهي وأثار اهتمامي، أن علماء التنجيم فيها قد تنبئوا بأن مدينة أخرى مثلها سيشهدها العالم بعد ميلاد المسيح بنحو عشرين قرنا، فتمنيت لمدينتي أن يكون لها مثل هذا الحظ السعيد.»

الرأي وصاحبه

الحمد لله الذي إذا شقيت في الصحو أسعدني في الحلم، فإن ضقت صدرا لأمر أشكل علي في ساعات النهار، جاءت أحلام الليل بما يشرح لي صدري من صور تزيل عن نفسي كروبها، وإني لأذكر في هذا السياق قصة قرأتها عن الحكيم الترمذي منذ زمن طويل، فمست من نفسي عند قراءتها وترا، وما زلت منذ تلك اللحظة أذكرها كلما نشأت ظروف مشابهة لظروفها، والقصة تقول:

كان الشيخ الترمذي قد عقد النية في أول أمره على الرحلة لطلب العلم في رفقة اثنين من إخوانه، وفي أثناء ذلك مرضت أمه، فقالت له: يا بني إني امرأة ضعيفة، لا عائل لي، ولا معين يعينني، إنك أنت المتولي لأمري، فإلى من تكلني وتذهب؟ فنالت هذه الكلمات منه ، وعدل عن الرحلة ومضى زميلاه في سبيلهما.

ثم مضى في ذلك بعض الوقت، فبينما كان في إحدى المقابر يبكي بكاء شديدا ويقول: ها أنا ذا قد بقيت جاهلا مهملا، وسيرجع أصحابي وقد حصلوا على العلم! إذا به يرى أمامه - فجأة - شيخا مشرق الوجه، فسأله الشيخ عن سر بكائه فأفضى عليه الفتى بحاله، فقال له الشيخ: ألا أعلمك في كل يوم شيئا من العلم، فلا يمر عليك كثير وقت، حتى تسبق إخوانك؟ فأجابه الفتى إلى ذلك. واستمر الشيخ على تعليمه كل يوم، ومضت على ذلك أعوام، ثم عرف الترمذي بعد ذلك أنه إنما حصل على هذا ببركة دعاء أمه.

فإذا أخذنا قصة كهذه بمفهومها الرمزي، رأيناها تصويرا مؤثرا لما يحدث لنا عندما تتأزم حياتنا بشيء من العسر، فيعقبه يسر في الحلم أو الخيال، وهكذا حدث لي منذ قريب عندما سرحت بخواطري، خاطر يذهب وخاطر يجيء، حتى وقعت خلال ذلك على فكرة أمسكت بها فلا تختفي، والفكرة هي أنني تصورت في حياة الشعوب على امتداد تاريخها، لحظات بعينها يتاح فيها للناس رجل أو موقف يكون من شأنه أن يغير وجهة السير، فإذا الناس في مرحلة جديدة من تاريخهم الفكري أو الحضاري، وقد تكون اللحظة من تلك اللحظات ذروة لموجات من الحوادث سبقتها ومهدت لها طريق الظهور، لكن ذلك لا يغير من صورة الأمر شيئا.

فقلت لنفسي: أبحث عن مثل يوضح ما تريد، فلا أدري لماذا قفز إلى ذهني «بطرس أبيلار» من فلاسفة العصور الوسطى في أوروبا، وكنت أعلم عنه أنه وقف من تيار الفكر في عصره وقفة جديدة، مما يصح أن يقال عنها إنها البذرة الأولى - أو إحدى البذور الأولى - التي أخذت تنمو وتتفرع وتورق وتثمر، إلى أن غير الفكر الأوروبي مجراه، وخلاصة تلك الوقفة التي وقفها أبيلار، هي أنه بعد أن رأى القوم من حوله يؤمنون أولا ثم يفكرون بعد ذلك فيما آمنوا به ليفهموه، أراد هو أن يفكر أولا ليفهم من المسائل المعروضة حقائقها بمقاييس العقل، حتى إذا ما صح منها شيء آمن به.

كنت أعلم ذلك عن بطرس أبيلار عندما قفز اسمه إلى ذهني ليكون مثلا للفكرة التي أردت لها ما يوضحها، ثم ما أنا إلا أن وجدت نفسي قائلا لنفسي: أأنت على وعي بأن أبيلار هذا حين وقف وقفته تلك في فرنسا، كان إمامنا الغزالي يقف وقفة شبيهة بها في بغداد، في وقت واحد تقريبا ولم أكد ألحظ هذه العلاقة المثيرة حتى اشتدت بي الرغبة في أن أرجع - في مكتبتي المتواضعة - إلى ما يمكن الرجوع إليه عن أبيلار، وعن الغزالي فيما يختص بهذه النقطة المحددة، وهي: كيف يكون الترتيب الصحيح؟ أهو إيمان فتفكير، أم هو تفكير فإيمان؟ وربما اتخذ هذا السؤال صورة أكثر دلالة على أهميته، إذا نحن تذكرنا أن الإيمان - سابقا للفكر أو لاحقا له - قد يكون إيمانا برجل معين، فيصبح سؤالنا في هذه الحالة هو هذا: أنؤمن بصدق هذا الرجل قبل أن نخضع أقواله للتمحيص؟ أم نبدأ بتمحيص أقواله تمحيصا عقليا موضوعيا، حتى إذا ما تبين لنا صوابه آمنا به؟

अज्ञात पृष्ठ