حتى بلغنا المعبد. ورآنا الناس على هذه الحال فهللوا. لكن الأنفاس تخلت عنا، فختمنا حياتنا الفانية أجمل ختام. وأثبت الإله بموتنا أن من الأفضل للإنسان أن يموت على أن يحيا دون وفاء أو إحسان. فقد التف أهالي أرجوس حولنا، وأثنوا على قوتنا وشبابنا، وراحوا يحيون أمنا العجوز ويهنئونها بابنيها. أما الأم التي أفعم فؤادها الفرح؛ فقد وقفت أمام تمثال الآلهة، وأخذت تبتهل إليها أن ولديها أفضل ما يمكن أن يلقاه الإنسان. وبعد أن أدت الصلاة تقدمنا نحن، وضحينا للربة وأكلنا مع الآكلين، ثم أرحنا أجسادنا المنهكة على أرض المعبد، ولم نقم من رقدتنا أبدا. وأقام لنا الأرجيون تمثالين، نصبوهما بعد ذلك في معبد دلفي ليضمنا لنا الخلود.»
استمع الملك إلي في هدوء ثم قال:
كرويزوس :
أيها الضيف القادم من أثينا، أهكذا تبدو سعادتي في نظرك هباء، ولا أستحق أن تسوي بيني وبين عامة الناس؟ عرفت مقصده فأجبت في خشوع: مولاي الملك كرويزوس، تسألني عن حياة الإنسان ومصيره؟ وأنا لا أعلم إلا أن أحكام الإلهة غامضة، وأن مقاديرهم مظلمة الأسرار. هب أن الإنسان يعيش سبعين سنة، وهي الحد الذي أضعه لعمر البشر على الأرض، فكم عليه أن يرى في حياته مما لم يكن يريد رؤيته، وكم يتحمل من آلام ويقاسي! وإذا أكمل السبعين، فقد عاش خمسة وعشرين ألف يوم ومائتين، هذا دون حساب للشهر الزائد. فإذا أضفت شهرا لكل سنتين ، حتى تتواءم فصول السنة مع بعضها، فلقد قدرت على مدى السبعين سنة خمسة وثلاثين شهرا زائدا، ومن الأيام على قدر السنوات السبعين كانت ستة وعشرين ألف ومائتين وخمسين يوما، ليس فيها يوم واحد يشبه سواه. هكذا ترى يا كرويزوس أن حياة الإنسان مصادفة بحتة، وها أنت ذا ملك غني واسع الثراء، تتحكم في بشر لا يحصيهم عد. لكن سؤالك إن كنت سعيدا لا أملك عنه الآن جوابا، لا أملك هذا حتى أسمع أنك أنهيت حياتك خير نهاية. فليس الغني الفاحش الغنى بأسعد ممن لا يجد سوى قوت يومه، إلا أن يواتيه الحظ فينتهي أجله وهو متمتع بأملاكه وجميع خيراته. ما أكثر الأغنياء الأشقياء، وما أكثر الراضين بنصيبهم القليل! فالغني الذي يشعر رغم غناه أنه تعس وشقي يتقدم خطوتين على المغتبط بحظه الطيب، أما هذا فيتقدم على الغني خطوات وخطوات. والأول يمكنه أن يحقق الرغبة التي تعتمل في نفسه، وتحمل الأذى الذي يصيبه، أما الثاني فلا يسعه أن يطمع فيما يطمع فيه الأول أو يتحمل ما يتحمل، فقدره الطيب قد أغناه عن الطمع ووقاه الأذى والضرر. أضف إلى هذا أنه لا يشكو ضعفا ولا علة ولا ألما، وأن الحظ باركه بالبنين وجمله بالجمال. فإذا حسنت خاتمته، وأنهى حياته نهاية جميلة، فهو الذي تبحث عنه أيها الملك، ويستحق أن يوصف بأنه سعيد، وعلينا أن نحترس فلا نقول عنه أثناء حياته وقبل موته إنه سعيد. بل يجب أن نكتفي بقولنا إنه طيب الحظ. من المستحيل على الإنسان الواحد أن يملك كل شيء، ومن المتعذر على أي بلد أن يكفي نفسه من كل شيء؛ فلديه شيء، وعليه أن يحصل من بلد آخر على شيء. وكلما زاد نصيبه مما لديه كان هذا أفضل. ويصدق الأمر نفسه على الفرد الواحد، فهو لا يكفي نفسه بنفسه، وهو يملك شيئا ويفتقر إلى شيء آخر. أما من كان لديه ما يكفيه حتى آخر عمره، ثم ختم حياته ختاما حسنا؛ فذلك، يا مولاي، هو الذي يستحق أن يوصف بأنه إنسان سعيد. يجب علينا أن ننظر إلى نهاية كل شيء، فما أكثر الذين منحهم الإله شيئا من السعادة ثم غير أحوالهم رأسا على عقب ... هكذا ختمت حديثي للملك.
المؤرخ :
ولم يعجبه كلامك، ولا رضي عنك.
صولون :
قاطعني ولم يكترث بوجودي ولا ببقائي أو رحيلي. اقتنع بأني أحمق، وأن الأحمق من يتخلى عما بين يديه، وينظر في نهاية كل شيء.
2
المؤرخ :
अज्ञात पृष्ठ